لم تكن الجودة مفهومًا حديثًا فنحن نعلم أن الإسلام قد صدح بها منذ نشأته وحث عليها في العديد من المواضع القرآنية والأحاديث النبوية فقد وردت تارة بلفظ (الإتقان) وأخرى بلفظ (الإحسان)، ولست بصدد الحديث عن ذلك فهو ثابت في الكتاب والسنة، إنما اليوم وما نسمع به عن جودة التعليم أو إدارة الجودة، ونحن نعلم أيضًا أن الاهتمام بالتعليم ورفع كفاءته والتحسين من مخرجاته، هي من أولويات الدول في العالم فهو منبع حضارتها ورقيها وتميزها عن أي بلد. مما يعني أن الجودة المقصودة شاملة لعمليتي التعليم والإدارة فكيف نطور من هاتين العمليتين، ونحقق رغبات المجتمع بمخرجات تتناسب مع سوق العمل بشرط أن تكون تلك المخرجات على أعلى مستوى من الأداء والإنتاج، ولا يحدث ذلك مع أنظمة التعليم المركزية التقليدية والتي تعتمد على الحفظ والتلقين بصورة نمطية بحتة، وإنما يلزمنا التغيير الجذري لصورة تعليم جديدة، والذي يشجع التحليل والتفكير والإبداع والعمل الجماعي لا الفردي. اعذروني أيها السادة الكرام فإني لا أرى فيما حولي على الأقل أي جودة تذكر، وما أراه حبرٌ على ورق ونماذج لتعبئة هذا وذاك، وكم عملٍ وكم نشاطٍ، وكلها تتشكل في دائرة واحدة لا تنفصل عن الأخرى، وحين تُعبَّأُ الأعمال هنا تتكرر بنفسها في ورقة أخرى تحت مسمى إدارة الجودة! أما إدارة الجودة فلها اليوم العالمي المشهور، وتلك مصيبة أخرى فهو عمل يتكرر كل عام باختلاف العناوين والمضمونُ واحدٌ بذات النمط والوتيرة إلا أننا الجميع في الدائرة (أ) لم نقفز لما بعد.! يكاد البعض لا يدرك ماهية الجودة في المؤسسات التعليمية، وربما يعتقد البعض الآخر أنها بمثابة اللغز، والعملُ فيها معقدٌ وصعبٌ.! وربما لم يجد أصحاب المؤسسات التعليمية أو الوكلاء فيها من يُبسِّط لهم هذه الجودة فلا علاقة للورق وإثقاله بالأعمال المتكررة الروتينية المملة كل عام، والتي تعتمد غالبيتها على أركان وندوات ومحاضرات نمطية لا تقدم ولا تؤخر، إنما الإثبات إخوتي الكرام في جو العمل ذاته، في المحيط الداخلي لكل مؤسسة، فهل لديك موظفون يعملون الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة من المحاولة الأولى؟ أم كونت فريق عمل جاهزًا ومتمكنًا من حل أية مشكلة أو مستعدًا لإنجاز أي عمل خلال يوم أو يومين؟ هل تخلصْتَ من الثقافة الإدارية التقليدية في إدارتك للعمل؟ والوقت المهدر على مهام ووظائف عديمة الفائدة وانتظار موظفيك لتوقيعك أو موافقتك في كل صغيرة وكبيرة ولغير ضرورة؟ هل اطلعت على مستوى تقدم موظفيك كل عام؟ وحاولت رفع كفاءتهم وتحفيزهم؟ للأسف ما يحدث في نهاية كل عام تكريم للجميع يتساوى فيه من عمل بالمستوى العالي، ومن لم يعمل بذات المستوى، بل لا نرى تميزًا وتحفيزًا للآخرين على نيل جائزة ما أو تكريمًا في العام القادم. كل موظف يقوم بتصوير شهادة تكريمه وشكر إدارته له، وهنا لا أنكر أنا أن هناك من يستحق أكثر من الشكر، ولكن لا يمكن أن يكون الجميع في نفس الاستحقاق، وحتى تقدم الجودة على شكلها الصحيح، ونرى تطبيقها على أرض الواقع. فانظروا إلى إدارتكم وطريقتكم لها راجعوا ذلك، وتأملوا إنتاجية موظفيكم كلّ على حدة، بصراحة وشفافية عالية فلا مجال للمجاملات في العمل وما لم تحدد مستوى كل موظف، وتعمل على رفع هذه المستويات فلن تتحقق الجودة أبدًا، ولن تقدم مخرجات جيدة. من الطرائف أنني كنت في إحدى المكتبات المتخصصة بلوازم الطلاب كانت تعج بالأستاذات فهمت ذلك حين سمعت إحداهن تطلب منه عملًا جاهزًا عن الجودة يذيل في آخره اسمها الأستاذة فلانة مسؤولة الجودة التعليمية، والمضحك أن العمل سينفذه آسيوي الجنسية، وهن خلفها ببقية الطلبات وأنا في دهشة مما أرى وأسمع! khalud25as@