نعم ملهى ليلي .. نعم مطعم .. نعم مقهى كلها لا تعني للعاقل شيئاً في وقت الأزمات والحوادث والكوارث، فهناك حادثة إرهاب، بل مجزرة، تلك التي حدثت في إسطنبول، وذهب على إثرها ضحايا من كل الأعراق والثقافات والأديان. في الأصل عامة وفي هذه الحالة خاصة، تتساوى الدماء، وكلهم "مغدور بهم"، وكلهم سيقتص الله لهم من قاتلهم وبعيداً عن كل تفاصيل عقدية، لأن الله عادل، وهكذا تقول كل الأديان السماوية، ويقبلها العقل والمنطق. نعم كان في ملهى، فلماذا تركتَ القاتل وحاسبتَ المقتول والمصاب؟ نعم كان في ملهى، فلماذا تغاضيتَ عن تجريم الفاعل وجعلتَ المفعول به عاصٍ. نعم كان في ملهى، فلماذا ترددت وتحرجت عن الترحم على الضحية ولم تتمن الشفاء للجريح؟ نعم كان في ملهى، فلماذا أصبحت وكيلاً عن الله في حساب وعقاب مرتاديه؟ عجيب أمر البعض، يرى من نفسه الفرقة الناجية، وغيره في الدرك الأسفل من النار، ويعتبر حاله موحداً، وعقيدته نقية لامعة، وفي الأصل هو أبعد بكثير عن قلب الحقيقة، بسبب جلبابه الذي تلبَّسه، والذي يُعتبر من خوارم إيمان النقاء والصفاء والسلام. السبب بسيط، لأن مكونات إيمانه ناقصة ومشوشة ومليئة بشوائب ورواسب دخيلة مليئة بالتصنيف والعنصرية والطائفية والتشدد، ومغلفة بالجهل المطبق، فجهل مع صد ورد لأي رأي وأي حوار وأي بحث وتقص وتثقيف، هو عبارة عن إسفنجة لاقطة لكل أنواع السوائل والرواسب وحُبيبات الذر التي تثقلها، ثم تتحول لجسم طارد ومنبوذ. المضحك في الأمر أكثر، أن البعض الآخر يحاول أن يقنع نفسه بأن مكان الحادث "مطعم"، وآخرون بأنه مقهى، ويستميتون في ذلك. أيها السجاليون.. في الحقيقة هو "ثلاثة في واحد" "ملهى – مطعم – مقهى"، والمهم أنه مكان اجتمع الناس فيه للترفيه، والأهم جاء مغتصب لحياتهم وسلبها منهم، ولأنكم مشوشون واجتمعت فيكم صفات ناقصة، فقد تركتم الأصل وهو الجُرم، وركَّزتم على القشور وهي نوع المكان؟ أيها الإخوة .. لستم خزنة الجنة والنار بسياطكم، ولم يوكل لكم معرفة النوايا والأعمال، ولا مآل أصحابها، فانسلخوا من جلبابكم الذي آذانا برائحته، واغتسلوا بماء نقي صافٍ، وتسامحوا مع ربكم أولاً ومع أنفسكم ثانياً لتعرفوا قيمة الحياة والناس وتتسامحوا معهم، واتركوا الخلق للخالق، واجعلوا الناس سواسية بأديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، حينها ستُدِينون مجرم الملهى وتتعاطفون مع الضحايا.