"الحج" تختبر خطط التفويج بفرضية ثانية    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    من أعلام جازان .. الشيخ عيسى بن رديف بن منصور شماخي    26 % ارتفاع أعداد الركاب في المطارات لعام 2023    الصمعاني يشارك في قمة رؤساء المحاكم في دول G20    قمّة المنامة دعامة قوية للتكامل العربي والسلام الإقليمي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    بمشاركة 11 دولة.. ورشة لتحسين نظم بيانات المرور على الطرق    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    5 استخدامات ذكية ومدهشة يمكن أن تقدمها القهوة    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    النفط يرتفع.. و"برنت" عند 82.71 دولاراً للبرميل    بايدن سيستخدم "الفيتو" ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    أمير القصيم: تطوير القدرات البشرية يحظى بعناية كبيرة من القيادة    أمير تبوك ينوه بجهود القيادة في خدمة ضيوف الرحمن    سعود بن نايف: رؤية المملكة أسهمت في تحسين جودة الحياة    خادم الحرمين يرحب بضيوف الرحمن ويوجه بتقديم أجود الخدمات    سفيرة المملكة في واشنطن تلتقي الطلبة المشاركين في آيسف    سعود بن بندر يثمّن جهود هيئة النقل    «الداخلية» و«سدايا» تطلقان جهازاً متنقلاً لإنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    إطلاق مبادرة «دور الفتوى في حفظ الضرورات الخمس»    الاتحاد الأوروبي يوسع العقوبات على إيران    المجون في دعم كيان صهيون    صحة نباتية    الاحتراف تحدد مواعيد تسجيل اللاعبين في دوري روشن و"يلو"    المان سيتي يكسر عقدة ملعب توتنهام الجديد وينفرد بصدارة الدوري الإنجليزي    الهلال والنصر.. والممر الشرفي    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في شباك ديبورتيفو ألافيس.. وفينيسيوس يُسجل هاتريك    كأس إيطاليا بين خبرة اليوفي وطموح أتالانتا    لجلب صفقات من العيار الثقيل.. النصر يعتزم الاستغناء عن 3 أجانب    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. الصفا يستقبل الجبلين.. والعدالة في مواجهة العين    بلادنا وتحسين إنتاجية الحبوب والفواكه    الأمن والاستقرار    نائب أمير مكة يستقبل عدد من اصحاب السمو والمعالي والفضيله    أهمية الاختبارات الوطنية «نافس» !    شرطة الرياض تقبض على مروجي حملات حج وهمية    الهواء داخل السيارة يحتوي مواد كيماوية ضارة    حالة مطرية في معظم المناطق حتى السبت    وزير العدل يبحث مع رئيس المحكمة العليا في أستراليا سُبل تعزيز التعاون    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك يثمّن إهداء البروفيسور العطوي جامعة تبوك مكتبته الخاصة    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    إعفاءات.. جمركية بالأسوق الحرة    وزارة لتشجيع زيادة المواليد بكوريا الجنوبية    واتساب تطلق تصميماً جديداً    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    تفقد محطة القطار ودشن «حج بلياقة».. أمير المدينة المنورة يطلع على سير الأعمال بالمطار    الوجه الآخر لحرب غزة    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بِدْعَةُ جاستا.. ثَالِثَةُ الأَثَافِي
نشر في الوئام يوم 12 - 11 - 2016

يُجْمِعُ الفلاسفة على تشبيه الحقيقة بمرآة هائلة، سقطت من السماء، فتناثرت شظاياها في كل مكان، فحاز كل إنسان في الكون على شظية واحدة منها؛ ومع هذا، يدَّعي كل شخص اليوم أنه هو وحده، وليس أحد غيره، يمتلك كل الحقيقة. غير أنني أرى أن أمريكا شذَّت عن هذه القاعدة، كعادتها دائماً، مدَّعية أنها أعادت تجميع كل تلك الشَّظايا، فاستنسخت المرآة من جديد. فأصبحت بالتالي هي وحدها، وليس أية دولة غيرها، تمتلك كل الحقيقة؛ حقاً وليس ادعاءً. في ترسيخ صارخ للقاعدة الاقتصادية الأمريكية الشهيرة: إن لم تستطع منافسته، فاشتريه، وإلا فاستنسخه.
ولهذا ليس غريباً أن نراها اليوم قد جعلت من نفسها مرجعاً للقوانين التي يجب أن يتَّبعها العالم، مع أنها تُفَصِّلها دائماً حسبما يحقق مصلحتها ومصلحة حلفائها، أو قل فئة خاصة من حلفائها المصطفين. فهي التي تفصل قرارات الأمم المتحدة بليل والناس نيام عن طريق سفيرها الدائم هناك، وربَّما استوقف المرء هنا، أن معظم من شغلوا هذا المنصب لأمريكا هم من السيدات، ولا تخجل من استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين حليفها الإستراتيجي المدلل (الكيان الصهيوني) أو مواطنيه؛ حتى إن أحرقوا أطفال الفلسطينيين في بيوتهم وهم نيام، أو دكّوا بيوتهم عليهم ب (الرصاص المصبوب)، ولم يتورعوا في استخدام كل الأسلحة (المحرمة) في قتلهم وتشريدهم وتدمير بنيتهم التحتية، وسمَّموا المياه ومنعوهم عنها؛ ومنعوهم من أداء شعائرهم في المسجد الأقصى.
وجرفوا بيوتهم وأشجار زيتونهم التي عمرها مئات السنين، حتى أصبحت كل شجرة أو قل كل فرع من شجرة زيتون، هو بمثابة أحد أفراد العائلة التي تمتلكه؛ وارتكبوا كل الموبقات في حقهم.
بل استمرت تلك المحاباة حتى مع انتهاكات الكيان الصهيوني الدائمة وتحديه كل القرارات والمواثيق الدُّولية، واعتدائه على الدول الأخرى.
كما فعل أكثر من مرة حين دمَّر مفاعل العراق النووي، ودكَّ مصنعاً للتصنيع الحربي في السودان، وقتل الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ، بعضهم لا يعرف حتى موقع فلسطين على الخريطة، وفجَّر السيارات التي (يشتبه) فيها شرقي السودان بمن فيها من أبرياء؛ فضلاً عن قتل العديد من القادة والثوار الفلسطينيين ممن (يشتبه) فيهم، في تونس والعراق وسوريا ولبنان التي ينتهك سماءها وبحرها يومياً مئات المرات، واختطف الأعداء المزعومين من كل مكان إلى تل أبيب… إلخ.
أريكم ما أرى:
أجل، أمريكا هي التي تحدِّد دول (محور الشَّر) والدول التي ترعى الإرهاب في العالم أو تلك التي تنوي ذلك، أو حتى تريد لها أمريكا ذلك، مع أنها أول من يعلم أن تلك الدول هي أكثر المتضررين من هذه الآفة الشِّريرة؛ فضلاً عن المنظمات الإرهابية والأفراد.
ومع هذا، فأمريكا هي أول من وهب الكيان الصهيوني، الذي يعد أكثر دولة في العالم تمارس الإرهاب، بل قل نشأت أساساً على فكرة إرهاب الدولة، صك البراءة؛ مضلِّلة العالم بما تشيعه من أخبار، مفادها أن ممارسات الكيان الصهيوني هي دفاع مشروع عن النفس، وليس إرهاباً مهما فعل وارتكب من موبقات بحق الفلسطينيين أو الأعداء الوهميين.
نعم، أمريكا هي التي تفرض عقوبات على هذه الدولة أو تلك، أو على منظمات وأفراد تصنفهم إرهابيين حسب مقاساتها التي تسع مصالحها؛ ومن ثمَّ تطالب العالم بإتباع نهجها، بصرف النظر عن رأي الآخرين في صدق تصنيفها ونزاهته.
بل أكثر من هذا، تختطف أمريكا رؤساء الدول من غرفة نومهم، كما فعلت مع نورويقا رئيس بنما، وتدخل غرفة نوم بعضهم دون استئذان بحثاً عن (أسلحة الدَّمار الشامل المزعومة، كما اتضح لاحقاً)، كما فعلت مع صدام حسين؛ غير أنها مع ذلك، لا ترى مفاعل ديمونة النووي المنتصب في صحراء النقب بدعم رئيسي من الغرب، في تحدٍ صارخ للعالم أجمع.
والعجيب الغريب، أن حادثة نورويقا كانت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بوش (الأب)، فيما تمت حادثة صدام حسين في عهد الرئيس السابق بوش (الابن).. ولا أدري إن كان هذا صدفة محضة، أم أنه حدث لسبب غير مرئي، متأصل في نفس الأب، فورثه عنه الابن.
وتذهب أمريكا أبعد من هذا، فتسعى لاغتيال كل من ترى فيه تهديداً لمصالحها، حتى إن عشقه شعبه لدرجة الهيام، كما فعلت المخابرات الأمريكية مع الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو؛ إذ نفَّذت ضدَّه منذ عام 1959م حتى اليوم، (638) محاولة اغتيال، عن طريق الغانيات والتعاون مع المافيا، التي اشترت منها الحبوب والأقلام المسمومة والسجاير المفخَّخة؛ لتنفيذ ما يعرف ب (القتل الرحيم)، دون جلبة أو ضجيج سلاح يكشف سترها.
ومع هذا، فشلت المخابرات الأمريكية في هذه المهمة، وظلَّ كاسترو في سدَّة الحكم، حتى تنازل طواعية لأخيه راؤول، بسبب تقدم سنِّه ومرضه وعجزه عن ممارسة مهماته الرئاسية؛ وما زال الرجل على قيد الحياة حتى كتابة هذه السطور.
ولابد أن يجد الباحث المنصف في هذا، نجاحاً منقطع النظير لكاسترو الذي تحول إلى أسطورة في نظر شعبه، بل في نظر شعوب كثيرة من المغبونين من أمريكا، وفشلاً ذريعاً لهالة ال (CIA)، مع أن كوبا لا تبعد عن سواحل أمريكا بأكثر من (145) كيلو متراً على أحسن الفروض.
يضاف إلى هذا، الصفعات المدوِّية المتلاحقة التي تلقتها ال (CIA) على يد حزب الله اللبناني، صنيعة إيران (حليفة أمريكا اليوم) عام 1983م، في بيروت، أي بعد سنة واحدة فقط من تأسيسه، في خطوة جريئة لتصدير ثورتها المزعومة إلى دول المنطقة؛ من قتل وخطف لأبرز عناصر ال (CIA)، بل قل قادتها الذين جاءوا إلى بيروت يومئذٍ للتحقيق في استهداف الجنود الأمريكيين هناك؛ الذين قتل منهم حزب الله أكثر من (280) جندياً، وجرح أكثر من (80). في أكبر خسارة بشرية للأمريكيين منذ حرب فيتنام، التي تكبَّد فيها الأمريكيون أكثر من نصف مليون عنصر بين قتيل وجريح.
إضافة إلى أكثر من (110) مليار دولار. واستمرت عشر سنوات، أسقطت فيها أمريكا على فيتنام (6,3) مليون طناً من المتفجرات؛ مسبِّبة بذلك أسوأ كارثة بشرية بيئية عرفها الإنسان في التاريخ الحديث، بعد هيروشيما وناقازاكي في اليابان.
وكله صناعة أمريكية بامتياز. مما اضطر ثلاثة ملايين من مواطني فيتنام لمغادرة البلاد والنزوح إلى البلدان المجاورة. أقول، منذ حرب فيتنام حتى حادثة الحادي عشر من سبتمبر، لم تتكبَّد أمريكا خسائر كتلك التي تكبَّدتها بسبب حزب الله في لبنان عام 1983م.
وفي كل مرة توغل أمريكا أبعد، فتشن الحروب على هذه الدولة أو تلك، دونما استشارة للأمم المتحدة، فضلاً عن تفويض منها. والقائمة طويلة، من فيتنام إلى العراق وأفغانستان. ويؤكد هذا النهج المتأصل في عقل السياسة الأمريكية، دونالد ترامب، مرشح الرئاسة الحالي عن الحزب الجمهوري؛ إذ صرَّح أكثر من مرة: (لن نستأذن مجلس الأمن في ضرب الأسد، معاقبة له على جرائم الحرب). فتأملوا هذا الغرور والعنجهية، حتى إن اتفقنا معه على الهدف.
شاهد من أهلها:
أجل، هذه هي أمريكا نفسها التي طلعت علينا اليوم ب (جاستا)، تنفذ عمليات (استباقية) في أية بقعة في العالم، دون استئذان أحد أو اهتمام لما يقوله المجتمع الدولي، كما فعلت مع السودان يوم دكَّت مصنعاً للأدوية عام 1998م (لاشتباهها) أنه يصنع أسلحة دمار شامل، فضلاً عما فعلته مع ليبيا عام 1981م، والقائمة تطول كما يعلم الجميع.
أجل، هذه هي أمريكا التي تزعم أن لديها أذكي مخابرات في الكون، تعلم حتى ما يفعله النمل الذي يدب بين الصخور، والطيور التي تحلق في الفضاء الواسع؛ تستغرق (15) سنة لتحليل (28) ورقة من مجموع (30) ورقة في تقريرها بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تخص بلادنا، حسب زعمها. وأذكر أنني نشرت مقالاً وقتها قلت فيه، لا بد أن ال (CIA) تحتفظ بالورقتين الأخيرتين لشيء في نفس يعقوب.
وصحيح، كنت أتوقع كل شيء، إلا (جاستا) هذا، فقد صدَّقناها يوم أعلنت عن أعدائها الإرهابيين، وشنَّت حرباً ضروساً ضدّهم، انتقاماً لكرامتها؛ ووقفنا معها بكل ما نستطيع، لأننا لا نعرف غير الصدق والوفاء في علاقاتنا مع الآخرين؛ فقد علّمنا ديننا ألا نخون حتى من خاننا.
بل عانينا نحن أكثر مما عانت أمريكا نفسها من هذا الشَّر المستطير؛ ودفع العالم كله ثمناً باهظاً، لاسيما منطقتنا، التي ما تزال تكتوي بنار هذا الإرهاب الأهوج؛ وأحسب أنها ستظل تدفع الثمن مضاعفاً لأجيال قادمة، ومع هذا لا تسلم من اتهام الغرب لها بتفريخ الإرهاب.
أما نحن هنا، في هذه الأرض الطيبة المباركة، فلم نكن نتردّد لحظة واحدة أمام هذه الفوضى (الخلاَّقة) والمؤامرات الحاقدة، لأننا أصحاب رسالة سامية عظيمة؛ ترخص من أجلها أرواحنا، فتصدينا للإرهاب بكل ما أوتينا من قوة وقدرة وسعة حيلة، مستعينين بالله سبحانه وتعالى، معولين من بعده على سواعد رجال أمننا الأشاوس ووحدة شعبنا والتفافنا صفَّاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة.
وناشدنا العالم لتأسيس مركز عالمي لتعريف الإرهاب ودراسة الظاهرة واجتثاثها من جذورها قبل استفحالها؛ وتبرعنا له ب (110) مليون دولار أمريكي (تماماً قدر المبلغ الذي صرفته أمريكا على حربها، غير المشروعة، ضد فيتنام المسكينة).
لكن للأسف الشديد، لم يسمع أحد لقولنا إلا بعد فوات الأوان؛ إذ أصبح الآن للإرهاب دولة يروِّج لها أكثر من أربعة آلاف موقع على تويتر، وجيش جرَّار، اجتمعت لحربه (60) دولة بقيادة أمريكا، ولم تنته المعركة بعد، بشهادة الموصل الجريحة والرِّقة المختطفة.
واليوم، ترد أمريكا الجميل ب (جاستا) هذا، فبعد يومين فقط من إقراره، سارعت أرملة أمريكية تدعى ستيفاني روس دسيمون، قُتِلَ زوجها في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، التي استهدفت مقر النبتاغون في تلة الكابتول، سارعت إلى رفع دعوى أمام إحدى محاكم واشنطن ضد السعودية، زاعمة أنها وفَّرت الدعم المادي لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي ارتكب تلك المجزرة.
يحدث كل هذا، مع أن السعودية ساعدت أمريكا في إحباط عمليات إرهابية عديدة ضدها، كان يمكن أن تكبِّدها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. بل إن كثيراً من عقلاء أمريكا من العسكريين والسياسيين والمثقفين وغيرهم من الشرفاء، لم يحتملوا الصمت على هذه اللعبة المكشوفة، فصرَّحوا للإعلام.
وأذكر من هؤلاء اللواء م. ألبرت ستبلبين الثالث، الضابط الأعلى رتبة في أمريكا، إذ أكد للإعلام الأمريكي أن رواية الجهات الأمريكية الرسمية بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غير صحيحة. وأوجز هنا أهم ما جاء في تصريحه من نقاط جوهرية، تؤكد صدق حديثه:
. أنباء الهجوم كانت موجودة في النظام.
. أجهزة الاستشعار الخارجية في وزارة الدفاع جميعها كانت معطلة، ماعدا جهازاً واحداً؛ إضافة إلى تعطيل جميع أنظمة الدفاع الجوي في منطقة البرجين والبنتاغون. ثم يتساءل: هذا غريب ومحيِّر، لماذا حدث هذا في ذلك اليوم بالتحديد؟ ويردف: قِيْلَ إن نائب الرئيس سافر إلى كلورادو في ذلك اليوم، فأمر بتعطيلها. إذن لماذا فعل هذا إن لم يكن يعلم أنه ثمَّة أمر خطير سوف يحدث؟
. الثقب الذي حدث في مبنى البنتاغون لا يمكن أن يكون بفعل طائرة، بل قذيفة تربين. ويقول إنه بعد تصريحه مباشرة، ألبسوا القذيفة (بذلة طائرة) لتبدو كأنها طائرة فعلاً.
. يستحيل أن يقوى وقود طائرة على إذابة الفولاذ والمعادن التي استخدمت في تشييد برج التجارة.
. طريقة انهيار البرج وخروج الدخان الكثيف من طوابقه من أعلى لأسفل بذلك الانتظام الذي رأيناه، لا يمكن أن تحدث بسبب انهياره، بل لابد أن يكون مصدرها تدمير مخطط له مسبقاً بطريقة علمية.
. حكاية ظهور مالك الطابق السابع في البرج في فيديو في بناية مجاورة، وصياحه: اسحب. وما هي إلاّ ثوانٍ معدودات حتى انهار المبنى كقطع الدومينو. إضافة لحكاية تجديد تأمين المبنى قبيل الحادثة بأسبوع واحد تقريباً، وإدراج بندٍ يلزم شركة التأمين بتغطية التكاليف في حال حدوث أي خسائر نتيجة اصطدام طائرة بالمبنى أو ما شابه ذلك. مع أن هذا النص لم يكن موجوداً بالعقد الأصلي.
. أُخضعنا لتمرين يخص أنظمة الدفاع الجوي، يحاكي ما حدث بالضبط من هجوم على البرجين بواسطة طائرات.. متسائلاً: أليس غريباً أن يتم تدريبنا على فرضية تحاكي ما حدث بالضبط؟
. اعتقد أنه يستحيل على (19) شخصاً، معظمهم لا يتحدث الإنجليزية، القيام بعمل كهذا، دون مساعدة من داخل الولايات الأمريكية المتحدة.
ويخلص اللواء ألبرت إلى إثبات ما سبق أن أكَّده في بداية حديثه: إذن ما قيل لنا، وتسرَّب عبر الإعلام فيما يتعلق بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن هو القصة الحقيقية، فثمَّة شكٍ كافٍ في تلك الرواية، لأنها لا تتوافق مع ما حدث.
مختتماً حديثه بعدة أسئلة مفتوحة؛ أحيلها بدوري لأعداء نظيرة المؤامرة؛ وعليهم إحالتها بدورهم للإدارة الأمريكية إن لم يدروا لها جواباً:
. من هو العدو الحقيقي؟
. من شارك في تلك الحادثة؟
. من خطط لذلك الهجوم؟
. وماذا كانت أهدافهم؟
. هل الإرهابيون فعلاً هم من يرتدون لباس العرب؟
. أم يا ترى أن من خطَّط لذلك هم من قوى السلطة في البيت الأبيض.
وأضيف هنا لأولئك، سؤالاً واحداً فقط لأسئلة اللواء ألبرت:
. لماذا استدعى المسؤولون الأمريكيون عميل الاستخبارات جون أويل الذي أُرسِلَ إلى اليمن على رأس (350) فرداً من ال (CIA) وال (FBI) والجيش، لمعرفة منفذي الهجوم على المدمرة الأمريكية (كول) في ميناء الحديدة عام 2000م، الذي أودي بحياة (17) أمريكياً وإصابة (29)آخرين؛ قبل أثنا عشر يوماً فقط من حادثة الحادي عشر من سبتمبر، ليرأس القوى الأمنية المكلفة بحفظ الأمن في برج التجارة في مانهاتن، ومن ثمَّ يلقى حتفه ضمن ضحايا التفجير.
مع أن الرجل، كما تشهد له إدارته، كان أذكى عقل استخباراتي في أمريكا؛ صاحب لباقة وحضور أخاذ وعقلية أمنية بامتياز؛ له قدرة هائلة على العمل على أكثر من مهمة معقدة في الوقت نفسه؟
على صعيد آخر، اتفق كثير من الناشطين الأمريكيين اليوم، على مسؤولية بلادهم الأخلاقية تجاه كل ضحية في العالم بسبب هذه الاعتداءات الأمريكية، غير الشرعية، التي تم ارتكابها باسم الشعب الأمريكي.
مؤكدين أن ما تفعله القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أربعة عشر قاعدة عسكرية حول العالم، هو حرب مدنية بكل معنى الكلمة، ثلث ضحاياها من الأطفال الأبرياء. مضيفين أنها ليست حروباً لنشر الديمقراطية كما يزعم القادة السياسيون، بل حروباً للسيطرة على ثروات الشعوب في آسيا وأفريقيا، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكل المواثيق والأعراف الدولية.
مشيرين إلى أن دفاع القوات الأمريكية المزعوم، ليس عن الشعب الأمريكي وأمنه القومي، بل عن إكسون موبيل وشركات البترول البريطانية، فيما أطلقوا عليه تجارة الدم مقابل النفط. مؤكدين مجدداً أن الحرب المزعومة ضد الإرهاب، هي في الحقيقة حرب اقتصادية بالدرجة الأولى، واصفين بلادهم بإمبراطورية الظلم الدموية الرهيبة.
مضيفين أنهم أدركوا الحقيقة المرَّة اليوم، فلإرهابيين الحقيقيين هم القوى التشريعية والتنفيذية والقضائية في واشنطن العاصمة.
وليس أولئك الأبرياء في أفغانستان والعراق والصومال وغيرها من ضحايا أمريكا، الذين يدافعون في مقاومة شرعية ضد احتلالنا غير الشرعي لبلدانهم؛ مشدِّدين على أن الجنود الحقيقيين هم الذين يرفضون هذه الحروب الاستثمارية الاقتصادية العبثية باسم الأمريكيين. محذِّرين أن الأمريكيين لن ينعموا بسلام دون عدالة مع الآخرين.
فضلاً عن إستراتيجية (الفوضى الخلاَّقة) التي خططتها الخارجية الأمريكية ورعتها وتعهدت بذرتها، باعتراف هيلاري كلينتون، مرشَّحة الرئاسة الحالية عن الحزب الديمقراطي، في مذكراتها (الاختيارات الصعبة) حيث تحدثت عن دور بلادها في تفريخ إرهاب الدولة، من خلال دعمها لإسرائيل، وإدارتها للحرب الباردة إثر غزو روسيا لأفغانستان، وغض الطرف عن تدخل إيران في دول المنطقة (وليس الاتفاق النووي ببعيد).
وأختم هذه الفقرة بتأكيد كبيرهم، مايكل هايدن، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق في مقابلة على قناة ال (CNN)، إذ يقول بالحرف: (إن قانون جاستا الذي يخوِّل ذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة السعودية، ودورها المزعوم في هذه الأحداث، يعد خرقاً لسيادة الدول).
مضيفاً: (بإمكان السعودية أن ترد، بل بإمكانها الانتقام، لكن لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك، لما يربط بيننا من علاقات وثيقة.
ومن وجهة نظري المتواضعة، أرى أن كثيراً من الخطوات التي يدعو لها بعض الأشخاص ضد السعودية، ستكون مؤذية لأمريكا. فحين تخرق أمريكا الحصانة السِّيادية، فإن أكثر دولة يمكنها أن تخسر جراء هذا السلوك هي أمريكا نفسها). مؤكداً أن: ( كل التحقيقات الحالية والسابقة أثبتت عدم وجود أية صلة بين الحكومة السعودية أو مسؤولين سعوديين وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر بأي شكل من الأشكال).
ولاحظوا معي جيِّداً، أن هايدن هذا، طيلة حديثه لم يذكر دولة غير السعودية، مما يوحي أن (جاستا) مفصَّل لاستهداف السعودية دون غيرها من سائر دول العالم.
الأمر الذي يؤكد ما ذهب إليه مجدي خليل، رئيس مراكز الشرق الأوسط للحريات في واشنطن (ابن أمريكا المدلَّل)، حين قال: (أصبحت السعودية اليوم تشكل حجر عثرة أمام حلم أمريكا بشرق أوسط جديد).
وقد صدق الرجل وهو كذوب، إذ أسدى لنا خدمة من حيث أراد توريطنا حسب فهمه؛ مؤكداً وجهة نظري التي أطرحها دائماً في كل مقالاتي تقريباً، من أن بلادنا الغالية العزيزة المباركة هذه، أصبحت اليوم رقماً صعباً في سياسة العالم واقتصاده وتحقيق أمنه واستقراره؛ يصعب تجاوزه، إن لم يكن يستحيل، حتى على أمريكا الدولة الأعظم في العالم.
وهذا هو مربط الفرس الذي قضَّ مضجع الغرب، لاسيما أمريكا التي لم تكن تعتاد على قائد في المنطقة مثل والدنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، البطل الفذ؛ الذي يحشد الحشود بإشارة، وتفد إليه الوفود طائعة مختارة، ناشدة النصح والتوجيه والعون والاستشارة، ويتخذ قرارات حاسمة تحدد مصير الأمة، دون طمع في جزرة الغرب مهما كانت ثمينة، أو خوف من عصاه مهما كانت غليظة.
جاستا ب (جاستا):
ويقودني هذا للتذكير هنا بما أحاول جاهداً تنبيه الجميع إليه دوماً من مؤامرات الغرب التي لا ينفك يحيكها ضد العرب والمسلمين والمستضعفين في الأرض منذ قرون؛ بدليل تلك النيران التي أشعلها الغرب في المنطقة، فكادت تقضي على الأخضر واليابس، بعد أن حوَّلت معظم دول (الجحيم العربي) إلى أشباه دول، بل قبله دمَّرت مؤامرة الغرب دولاً عديدة؛ والقائمة تطول من أفغانستان حتى الصومال. فضلاً عمَّا يتم بين الغرب وإيران تحت الطاولة من اتفاقيات ومساومات على تقسيم الكعكة إثر الاتفاق على برنامجها النووي، وأجد في هذا كثيراً مما يغني اللبيب عن الشرح والتحليل.
وعليه، لا أجد اليوم بُدّاً من دعوة قادة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتبني نظرية الرئيس السادات، رحمه الله، مع الكيان الصهيوني: العين بالعين، والسِّن بالسِّن، والعمق بالعمق؛ وبالتالي جاستا ب (جاستا).
من خلال تفعيل المنظمات الإقليمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية، جامعة الدول العربية، الاتحاد الأفريقي، منظمة التعاون الإسلامي، دول عدم الانحياز وغيرها) للانسحاب من كل المنظمات الدولية التي تربطنا بالغرب، وتشكيل تكتل سياسي اقتصادي عسكري أمني خاص بنا، نسميه مثلاً (القارات المتحدة)، يضم كافة دول القارات الثلاثة، لاسيما أن لدينا في هذه القارات كل الإمكانات البشرية والمادية اللازمة لنجاح هذه الفكرة؛ وحتى لا نقع في فخ الغرب، لتكن كل منظماتنا الجديدة تضم عضواً من كل دولة من دول القارات الثلاثة، النِّد بالنِّد. إضافة إلى ضرورة فك الارتباط بالدولار، لاسيما أن لدينا عملتان معتمدتان اليوم في سلة صندوق النقد الدولي (اليوان الصيني والين الياباني).
والحقيقة، لا يمكنني مغادرة هذه الفقرة دون الإشادة بتلك الخطوة الجريئة التي اتخذها الاتحاد الأفريقي بدعوة أعضائه للانسحاب من محكمة الجنايات الدولية، التي اتضح أنها شُكِّلت خصيصاً لإذلال القادة الأفارقة، والاستجابة الفورية لدولة بورندي وجنوب أفريقيا اللتان انسحبتا منها، غير آسفتين.
وعليه، ليس مستحيلاً علينا إعلان الانسحاب من كل المنظمات العالمية التي تربطنا بأمريكا وأوروبا، وبالتالي تنظيم شؤوننا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بما يضمن مصالح الجميع على قدم المساواة، وتحييد الغرب بسحب البساط من تحت أقدامه، وتركه يعض أصبع الندم على صلفه وعنجهيته وغروره.. وهكذا نتمكن من تسوية جميع مشاكلنا رغماً عن أنف الغرب، وأولها مشكلة فلسطين التي صنعها الغرب ووقف حجر عثرة في طريق حلها طيلة هذه المدَّة، مستخدماً صلاحيات منحناها نحن له، للأسف الشديد. وهكذا نتمكن من إجبار الغرب على التعامل معنا بالعدل والمساواة، إن أراد، وإلاّ فنحن في غنىً عنه، وليشرب من البحر كما يقولون.
سلام.. يا الإعلام:
وحتى ذلك الحين، أتمنى على إعلامنا الخارجي، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، مغادرة مخبأ بياته الشتوي الذي طال أمده، ليفيق من سباته، ويؤسس شركات إعلامية معتبرة في أمريكا وأوروبا، تكون قدر التحدي، تصدر صحفاً يومية ومجلات دورية؛ إضافة إلى محطات تلفازية وأخرى إذاعية؛ تخاطب الشعوب هناك بلغتهم، حتى يدرك المواطن البسيط من نحن، وكيف نفكر، ومدى حرصنا على أمن العالم واستقراره، وحبنا للخير للبشر كافة. فللأسف الشديد، كل ما يعرفه عنَّا الإنسان العادي في الغرب، هو تلك المعلومات المضلِّلة التي تريدها له حكومته، حسبما يضمن لها تأييده لكل ما تريد اتخاذه من سياسات تجاهنا.
وصحيح، يجتهد إعلامنا المحلي كثيراً في كشف مؤامرات الغرب علينا، مع تحفظ البعض. فقد تابعت مثلاً كل هذا الكم الهائل الذي كتبه الزملاء عن (جاستا)، غير أنه للأسف الشديد، يبدو كصرخة في وادٍ سحيق، شأن مقالي هذا أيضاً؛ لأنه موجَّه للرأي الداخلي، الذي قد يدرك عن جاستا هذا، أكثر مما نزعم معرفته نحن الإعلاميين. فانظروا مثلاً تأثير الإعلام الذي زلزل اليوم عرش ترامب، وكاد يحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية لصالح منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، حتى قبل أن تبدأ. ودفع عملاق الإعلام هناك (شركة AT&T) للاستحواذ على شركة (TIME WARNER) ب (86) مليار دولار، بسبب تهديد ترامب (النَّزق) الذي توعَّد بإلغاء الصفقة حال وصوله البيت الأبيض.
وقبل الختام، أؤكد للأمريكيين أنهم أول من يدفع الثمن غالياً ل (قانون مكافحة الإرهاب – Justice Against Sponsors of Terrorism Act ) المعروف اختصاراً ب (جاستا)، بسبب انتشار جيشهم ومخابراتهم ودبلوماسييهم وتجارهم وحتى سماسرتهم في كل بقاع الدنيا، من روسيا حتى جنوب أفريقيا، ومن اليابان حتى السنغال.
ولهذا ربما وجدت ال (CIA) يوماً نفسها في حاجة لآلاف العمليات على شاكلة عملية (ARGO) الخطيرة المعقَّدة، التي استغرقت ثلاثة أشهر لنقل ستة أفراد من الدبلوماسيين الأمريكيين من طهران إلى بلادهم، إثر اقتحام الإيرانيين السفارة الأمريكية هناك عند اندلاع ثورتهم المشؤومة عام 1979م. فضلاً عمَّا لحق ب (66) موظفاً آخرين في مبنى السفارة، وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل وإذلال.
قبل فوات الأوان:
وعلى ذكر إيران، أود أن أؤكد لكل من علَّق آماله عليها، وربط مصيره بها، أن أستاذاً جامعياً، كان مأخوذاً ب (الثورة الإسلامية الإيرانية)، ذهب إلى طهران عام 1979م، والثورة في قمَّة فورتها الأولى، فالتقى كبار مسؤوليها وقضاتها، وشهد محاكمها، وطاف على أنصارها في باكستان وأفغانستان؛ وكتب عنها بحثاً نال به درجة الماجستير وقتها؛ خلص إلى أن هذه (الثورة الإسلامية الإيرانية)، سوف تنتهي إلى حزب وطني فارسي، لا علاقة له بما يرفعه من شعارات إسلامية؛ إذ يتخذ المذهب الشيعي تقيَّة لإبادة السنَّة، حتى إذا تحقق له ما أراد، انقلب على أنصاره فحقَّق مراده.
وتكتسب هذه الدراسة مصداقيتها من أن صاحبها كان وقتها مناصراً، وتوصل إلى هذه النتيجة بعد دراسة ميدانية مستفيضة، وليس من خلال البحث في مؤلفات الآخرين التي قد لا يخلو بعضها من غرض. يؤكد هذا حجهم لكربلاء؛ مع أن حتى غير المسلمين يعلمون يقيناً أن (الحج عرفة). بل أجمع كل المفسرين على أن المقصود ب (البيت) الذي يحج إليه المسلمون في قوله تعالى : (إن أول بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين * فيه آيات بيِّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين) (آل عمران: 95- 96)، وغير هذا من الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى التي ورد فيها ذكر البيت العتيق؛ أقول أجمع كل المفسرين على أن المقصود ب (البيت) الذي يحج إليه الناس، هو الكعبة المشرَّفة في مكة المكرمة. فضلاً عن حديث خطيب كربلاء، ثالث أيام عيد الأضحى الأخير: (من زار الحسين في يوم عرفة، كان كمن زار الله في عرشه؛ هذه عطية الله للحسين.
الله يترك ضيوفه فيتوجه لزوار الحسين، ويخاطبهم: استأنفوا العمل، يعني افتحوا صفحة جديدة، إلى هذا اليوم كل ما عندكم من ذنوب ببركة الحسين، أنا غفرتها لكم، ثم يُعرِّج على ضيوفه في عرفات). وأترك التعليق هنا للقارئ الكريم.. فانتبهوا قبل فوات الأوان.
وحتى لا يفهم أحد ما حديثي هذا في غير سياقه، أشير إلى أنني أكدت مراراً، وأعيد اليوم، أنني مع حرية الاعتقاد التي كفلها الخالق سبحانه وتعالى لخلقه؛ غير أننا نشترك في وطن واحد، ليس مثله وطن؛ يتمتع فيه الجميع بالحقوق نفسها، وعليه الواجبات ذاتها التي على الآخرين، يؤكد مليكه دوماً أنه من حق أي مواطن أو مواطنة، رفع دعوى حتى على الملك أو ولي عهده أو أي فرد من أفراد الأسرة الحاكمة؛ ليس هذا فحسب، بل إن مؤسسه كان يقف أمام القضاة، مثله مثل خصمه. ولهذا كان لا بد لنا من الالتفاف جميعاً حول قيادتنا، والعمل معاً من أجل رفعة وطننا والمحافظة على منجزاتنا، وضمان استقلاله واستقراره وأدائه لرسالته السامية العظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من كل فج عميق.
وعلى ذكر إيران أيضاً، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها يوم حكم قضاؤنا على مواطننا السعودي (نمر النمر) بتنفيذ حكم الشرع فيه مع آخرين، بسبب ما ارتكبوه من جرائم شنيعة في حق الأبرياء والوطن؛ أتمنى أن تكون إيران قد خجلت من نفسها وعادت إلى رشدها فأدركت، وكل من اصطف إلى جانبها، عدالة القضاء السعودي ونزاهته واستقلاله، يوم حكم القضاء السعودي نفسه الذي حكم على نمر النمر بالمصير ذاته على أحد الأمراء. وإن كنَّا نأسف حقاً على كل نفس تنزع إلى الشَّر، فتضطر القضاء لتنفيذ حكم الشرع فيها وخسارتها. بل حتى النمر ومن معه، كنَّا نتمنى صادقين أن يعودوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيِّهم، فيبقى ساعدهم أداة بناء إلى جانب إخوتهم في الوطن، لا أداة هدم وخذلان.
إلاَّ مكة المكرَّمة:
تذكرون، عندما أمر قائد مسيرتنا، والدنا خادم الحرمين الشريفين، سلمان الحزم والعزم والثَّبات، صقوره المتحفزة دوماً للدفاع عن هذه الدِّيار المقدسة، المتحرقة شوقاً لحمايتها وضمان أمنها واستقرارها، بدك أوكار التَّمرد في اليمن الشقيق، لوأد الفتنة في مهدها؛ إثر تشكيله تحالفاً عربياً فريداً في لمح البصر، واستصدار موافقة الأمم المتحدة والجامعة العربية لتنفيذ المهمة؛ ظهرت بعض أصوات نشاز هنا وهناك، قاصرة النظر عديمة الرؤية، تنتقص من هذا التحرك وتدينه.
وما علموا المساكين أن قرار عاصفة الحزم كان قراراً إستراتيجياً مهماً، جاء بناءً على حيثيات أكيدة، وقرائن واضحة، ونوايا مبيَّتة، بل حتى تصريحات صريحة تردَّد صداها في العالم كله، وأفعالاً سابقة وممارسات شنيعة، استهدفت العبث بقبلة المسلمين ونشر الفوضى في الديار المقدسة. وبالطبع، ما كان لقائد همام مثل سلمان الحازم العازم، أن ينتظر حتى ينفذ المتمردون من الحوثيين وأنصار صالح (غير الصالح) أعمالهم الشنيعة، التي يخجل منها حتى الشيطان الذي أغواهم، في استهداف بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين ليتحرك.
وقطعاً، كان سلمان يدرك جيِّداً أن المهمة ليست سهلة، وفيها ما فيها من الخسارة على الطرفين؛ فالحرب شرٌّ كلها. ولهذا بذل كل ما يستطيع من جهد مع إخوته العرب، خاصة الخليجيين، لحل المشكلة سلمياً بعودة الانقلابيين إلى رشدهم، إن كان ثمَّة رشيد فيهم.
أما وقد تأبط المتمردون على الشرعية الشَّر، وتحدُّوا العالم بانقلابهم على الشرعية، وهدَّدوا أمن المنطقة وسلمها، وتبجح رأس الفتنة في طهران باستيلائه على رابع عاصمة عربية (صنعاء)، مهددين أمن المملكة والديار المقدسة؛ أقول أما وقد بلغ الحال هذا المستوى من الخيانة للعقيدة والأمة والعروبة، والعمالة للفرس؛ ما كان لقائد مثل سلمان أن يفرِّط في أداء رسالته الأساسية، التي أُنشئت من أجلها دولته، فينتظر حتى تصل يد الشَّر إلى بلد الله الحرام، لا سمح الله، مهدِّدة أمن الحجاج والمعتمرين والزوَّار، فكل شيء يهون في سبيل الدفاع عن رسالتنا وقبلتنا.
و ليعلم المتمردون في صنعاء وصعدة، الذين ربطوا مصيرهم بفارس، بل ليعلم رأس الفتنة في قم وطهران قبلهم، أننا اليوم أقوى ما نكون، بعون الله سبحانه وتعالى، وأكثر وحدة وتماسكاً، وأقوى عزيمة وإصراراً على اجتثاث شأفتهم وقطع دابرهم؛ مؤكدين لهم وللعالم أجمع، أن أرواح كل السعوديين ودماءهم وكل ما يملكون من غالٍ ونفيس؛ ومن خلفهم كل المسلمين الصادقين، وأحرار العالم وشرفائه، فداءً لبيت الله سبحانه وتعالى، وقبلة المسلمين، ومثوى ر سول الله للعالمين.
وإن كنَّا ندرك يقيناً أن الله عزّ و جل، القوي المتين، ليس في حاجة لأحد خلقه لحماية بيته، فقطعاً كل مسلم يعلم قصة أصحاب الفيل والطير الأبابيل وحجارة السِّجيل. و لابد أن الفرس هم أكثر الناس معرفة ب (السِّجيل)، فقد ذكر بعض المفسرين أن أصل السِّجيل كلمتان بالفارسية: (سنج) وتعني الحجر، و (جيل) وتعني الطيِّن، جعلهما العرب كلمة واحدة (سجيل). أي أن الحجارة التي رمى الله بها أصحاب الفيل، الذين عزموا على هدم الكعبة، هي من هذين الجنسين (الحجر والطيِّن).
وعلى كل حال، مع هذا، لن نتخلى عن هذا الشَّرف العظيم، الذي ليس كمثله شرف في الدنيا، عن مسؤوليتنا في الدفاع عن مقدساتنا. فليعلم القاصي والداني، أن ادعاء الفرس ل (الثورة الإسلامية) ليس أكثر من مجرد مطيَّة لاستعادة مجد إمبراطوريتهم الغابرة. وإلاَّ فليقل لنا أعداء نظرية المؤامرة، سرَّ استهداف الفرس، عن طريق عملائهم، مكة المكرمة؛ التي حرَّم الله اصطياد صيدها، بل حتى تنفيره من أوكاره، كما حرَّم قطع شجرها وقلع حشيشها؛ ناهيك عن ترويع أهلها واستهدافهم بالصواريخ.. فأية جرأة هذه، وأي جهل هذا، وأية (ثورة إسلامية) هذه؟ مناشداً حكماء اليمن، وعقلاء إخوتنا الشيعة، مع شيخنا الفاضل صالح المغامسي: خذوا على أيدي سفهائكم، واعلموا أن طهران اليوم دار ضغينة، لا دار سكينة.
وأختم هذه الفقرة، بكلمة أوجهها مع الاحترام والتقدير لجامعة الدول العربية: كنَّا نتطلع بشوق عارم لتغيير جذري في أسلوب عمل الجامعة العربية، في ظل هذه المخاطر التي تحدق بمنطقتنا؛ خاصة عندما تولى معالي الأخ أحمد أبو الغيط، قيادة هذه المؤسسة.
لكن للأسف الشديد، أقولها بكل صدق وصراحة: خاب أملنا، إذ لم يتغير خطاب الجامعة العربية تجاه قضايا الأمة المصيرية، ولم يبارح عباءة الشجب والاستنكار والاستهجان والإدانة وغيرها من عبارات مستهلكة، ودعوة (المجتمع الدولي) لتحمل (مسؤولياته) ل (حل مشاكلنا)!
وحتى لا ننفض، نحن المواطنين العرب، يدنا من جامعتنا، أتمنى عليها إعادة هيكلتها، ونفض الغبار عنها ل (تحمل مسؤولياتها) بفكر جديد وشجاعة واقتدار، والكف عن تجيير كل شيء على (المجتمع الدولي) الذي نسمع جعجعته منذ خلقنا، دون أن نرى له طحيناً، خاصة فيما يتعلق بمشاكل العرب والمسلمين. بل أكثر من ذلك، المجتمع الدولي هو سبب كل هذا الشَّر المستطير والوحل الذي غرقت فيه المنطقة حتى أخمص قدمها.
فأتمنى بكل صدق يا معالي أمين الجامعة العربية، أن نسمع قريباً جداً عن تأسيس (مجلس الأمن العربي) لحل قضايا العرب الأمنية، وضمان سيادة الدول الأعضاء، وردع المعتدين ب (البند السابع العربي)؛ تدعمه قوة (الدرع العربي) الجاد، المفتول الزند، الذي يغري (درع الخليج) بالاندماج فيه، لتصبح لدى العرب قوة رادعة قوية موحدة؛ يعمل لها الجميع ألف حساب. فكفانا هذا الذل والهوان الذي حيَّدنا حتى عن حل مشاكلنا الخاصة.
وفي ما يحدث في سوريا المكلومة اليوم من تقاسم للكعكة بين الغرب وروسيا، على حساب دماء أهلها وممتلكاتهم ووحدة تراب بلادهم، خير شهيد على ما أقول، وإن كانت الأمثلة في العالم العربي قاطبة، تغني عن الحصر؛ بعد أن أصبح أمرنا بيد الروس والغرب، يتبادلون الأدوار لتحقيق مصالحهم على حساب دمائنا ومنجزاتنا وحضارتنا وإرثنا الثقافي. فسوريا وكل بلاد العرب، يجب أن تكون لنا نحن العرب.. لا للغرب. أليس هذا (حلماً) مشروعاً، يا (الجامعة العربية)؟.
و لاشك، يتوقع الجميع أن تكون أعظم رسالة للجامعة العربية وأشرفها، و أولى أولوياتها، هي حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.. وحتى ذلك الحين: أخذنا أكثر من حظنا من عبارات الشجب والاستنكار والاستهزاء والإدانة.. فكفى. وانصرفوا لعمل حقيقي جاد، وقرار حاسم شجاع، وقوة رادعة تضمن الأمن وتحفظ النظام للجميع، وترعى حق الكل ضد أي اعتداء خارجي.. و إلاَّ: فليمد أبو حنيفة رجليه.
القائد الأُمَّة:
فالحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لملكه، وذلَّ كل شيء لعزته، أن جعل بيته عندنا ومثوى رسوله، واستأمننا على رعاية الديار المقدسة وخدمة قاصديها، وجعل لنا قيادة راشدة مخلصة وفيَّة، مدركة لما يواجه العالم اليوم من تحدٍ، وعلى استعداد للتضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل أداء هذه الرسالة السامية العظيمة.
وحقاً، لا أجد اليوم أفضل مما قاله أخي الدكتور عبد الله بن ثاني، عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في حق والدنا، قائد مسيرتنا إلى المجد والعلياء، سيِّدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، في رائعته (وإنّك يا ابن الأكرمين مجاهد)، التي نشرت بجريدة الجزيرة، يوم الأربعاء 18/1/1438ه، الموافق 19/10/2016م، العدد 16092، ص 21، لأختم به مقالي هذا، إذ يقول في ختام رائعته تلك، مخاطباً مليكنا المفدّى المجاهد، الذي هو حقاً أمة تامة كاملة في رجل واحد:
عَلَيْكَ سلامُ اللهِ مَا لاَحَ بَارِقٌ
وَ مَا اسْتعْبَرَتْ عَيْنٌ وَ مَا رَقَّ وَالِدُ
وَ رَبِّ الَّذِي اسْتَرْعَاكَ إِنَّكَ أُمَّةٌ
وَ إِنَّكَ يَا ابْنَ الأَكْرَمِيْنَ مُجَاهِدُ
اللواء الركن م. الدكتور
بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.