عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على منيرة بنت محمد بن تركي    الموافقة على أفتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    المملكة تملك مقومات صناعية متقدمة.. ومركز لوجستي عالمي    النفط يستقر مع ترقب المستثمرين بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأميركي والصيني    840 مليون ريال قروضا متعثرة بشركات التمويل العقاري    النظر في اشتراطات ترشح لجان الغرف    سلام زائف وضمير ميت    المملكة تشارك في اجتماع «بريكس»    المنتخب السعودي يخسر أمام الأردن    المملكة تواجه انتهاكات حقوق الطفل بصرامة    «إنفاذ» يُشرف على 26 مزاداً لبيع 351 عقاراً    منتجات فريدة للإبل تجذب أنظار زوار المعرض السعودي للسنة الدولية للإبليات 2024 في إيطاليا    الشؤون الإسلامية تحدد 1082 جامعاً ومصلى لإقامة صلاة عيد الأضحى بالشرقية    "الأمر بالمعروف" تشارك في حج هذا العام بمنصات توعوية متنقلة لخدمة الحجاج    شركة مطارات الدمام تعقد ورشة عمل لتدشين 'خدمتكم شرف'    جولة رقابية على الأسواق والمسالخ بمنطقة نجران    المشاهير والترويج للاحتيال    الأخضر يتعثر أمام الأردن في تصفيات المونديال    النصر يُجهّز عرضاً ضخماً للظفر بخدمات روديغير    «الآسيوي» يشيد بتنظيم «مونديال» البلياردو في جدة    الحجّ.. مشهديّة آسرة    تجهيز الخدمات المتميزة لحجاج بيت الله الحرام    تزايد حاد في إصابات حمى الضنك في أوروبا    "أرامكو" تتم عملية الطرح الثانوي لأسهمها العادية    هانتر بايدن يدان في قضيته الجنائية    100 % من مدارس المملكة تنهي "التقويم الذاتي"    المملكة تستضيف ذوي التوائم السيامية المفصولة للحج    النوم يقلل الشعور بالوحدة    وزير الخارجية يشارك في جلسة التواصل الوزارية لمجموعة بريكس    وزير الإعلام يزور جناح «الداخلية» في معرض ملتقى إعلام الحج في مكة    «الجوازات» تعلن قدوم 1,547,295 حاجاً عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    إزالة 18 ألف م2 مبان مهجورة بالشرقية    ولي عهد الكويت: نعتز بالعلاقة المتميزة مع المملكة    «الخارجية القطرية»: تسلمنا رد الفصائل الفلسطينية على مقترحات إسرائيل    مقتل نائب رئيس مالاوي ومرافقيه في حادث طائرة    الموافقة على افتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    السعودية للكهرباء تعلن عن تفاصيل استثماراتها ومشاريعها لحج 1445 ه    توفير البيئة الآمنة للكشافة في معسكرات الخدمة العامة    العاهل الأردني: شبح المجاعة يهدد غزة.. السيسي يدعو لدعم «الأونروا»    المظالم ومدن يوقعان اتفاقية للربط الرقمي    أكثر من 15 ألف مستفيد من حملة "سلمان للإغاثة" لتحصين الأطفال ضد مرض الحصبة في اليمن    تعليق اتفاق التعاون الشامل بين روسيا وإيران    الديوان ينعى الأميرة منيرة بنت محمد بن تركي    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    أمن الحج.. خط أحمر    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    للمعلومية    الهلال يسرق شعبية كريستيانو من النصر    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص
خيرية
نشر في الوطن يوم 22 - 06 - 2010

ما زلت أذكر شكل وموقع دارها على حافة حارتنا القصوى حيث لا بعدها إلا أحراش جرداء تحدد بدايتها شجرة أثل بقيت على حالٍ بين الحياة والموت سنين عديدة.. رافضة أن تنبت أوراقا تهب تلك الدار شيئا من ظلٍ تنتظره.
كانت نتاج زواج ظنَّ بأن الفقر إلى الفقر قد يقضي على المكتوب، ولكنه اكتشف دونما طويل زمن أن ذلك قد خلق شيئا من الكفاف وكثيرا من القناعة. والدها كان مربوعا أحمر الوجه يكاد الدم يتفجر من خديه.. ووالدتها كانت أبنوسية غير ذات لمعة إلا عينيها اللتين كانتا تلمعان بحنان الرضا. كيف اجتمعا!؟ هو أفغاني شديد الرقة رغم ملامحه ورغم حرفته في شحذ السكاكين، وهي من تلك القارة التي أغرقتها أنواع من السواد متعددة. ما بينهما كان هوى البقعة الطيبة التي ألقيا بأنفسهما للمقادير لتحملهما إليها.
حين يبتهج النهار بصباحه كان يخرج حاملا على ظهره "عدة" تنوء بحملها الأجسام ليخرج من براثن أزقة الحارة متجها إلى مكان ما وسط المدينة. لم يكن له موقع محدد وإنما كان يتلمس الرزق في مظانٍ لم يحسنها كثيرا. لمحته في شارع العينية مرات وفي سوق التمارة مرات وبينهما كان يقف حين تحين سانحة من رزق ليشحذ سكينا أو فأسا مقابل قروش تقيم أود حياته. وكان عيد الأضحى هو موسم ازدهارٍ بالنسبة له.. إلا أنه موسم لا يكاد يكفي لرسم نصف ابتسامة.
جاءت خيرية بملامح مختلطة رغم طغيان الافريقية عليها، إلا أن لونها كان بهيجا يصعب وصفه..لون لا تحمله دائرة الألوان.."شمس منيرة سوداء". كنت ألمحها وهي تحمل كتبها متجهة إلى المدرسة وأظن بسمتها التي تصارع ما خلفته من بؤس أثمن ما كانت تملك. لم تكن ملابسها مهلهلة وإن كانت مما يبدو أنه مر على أجسادٍ قبلها. ومع ذلك فقد حمَّلتها عزة نفس خيرية كثيرا من الألق وكانت الشريطتان الملتفتان حول "كرديلتين" من شعرٍ لم تنقصه العناية أبهى ما تفتخر به.
كانت أحوالنا تُصنَّف في درجة ال "لا بأس"، وكانت المسافة بين تلك الدرجة "البأس" بعيدة جدا.. وكنت أحمل تحت جنح الليل ما لا أعرف محتواه مما كانت والدتي تبعث به لتلك الدار. وكنت أعود محملا بابتسامة الوالدة ودعائها.. وبأسف أنني لم أبصر خيرية.
انتظرَت ووالدتها عودة والدها ظهرا.. واستبد بهما القلق حين سقط الليل الذي لا يجابهه فتيل "اللمبة" القابعة مثلهما تنتظر.. لجأت الأم إلى الجيران مستغيثة.. وتفرق جمع للبحث عنه والسؤال. كانت النتيجة قاتلة إذ اتضح أنه سجن لعدم حمله إقامة في حملة أمنية قبل سنوات طويلة. تدخل كثير محاولين فك أسره معلنين أنه مرت عليه أكثر من خمسين سنة كان بإمكانه خلالها أن يحصل حتى على الجنسية لو أراد، ولكنه كان يحسب ذلك ترفا لا يستدعيه جوار الحبيب الذي هاجر إليه. وغادر الوالد إلى خارج البلاد دون أن يُمكَّن من توديع أحب من لديه وربما الوحيدتين اللتين أحب. وكانت أفغانستان هي المستقر الذي ألقي إليه وغابت أخباره تماما واعتقد البعض أنه ربما قضى في الحرب هناك.. وكنت أظن أنه مات قبل أن يصل فالسبعون وقسوة الفراق أشد من أن تصل به إلى أي مكان.
لم يكن ينقص الشظف إلا مزيد من الأسى.. وبقيت الدموع الممزوجة بالدعاء الزاد لتلك الأسرة سنوات طويلة.
قبل أيام.. جاء السؤال القاصم الإجابة.. "تتذكَّر خيرية!؟".."ياااه.. نعم.." وتبادلنا الذكريات مستكملين الكثير من الصور.. ولكن! "تصدق!؟ خيرية أصبحت تخدم في البيوت".. توفيت والدتها.. وتزوجت هي ممن قُدِّم إليها منقذا.. إلا أنه نسيها تاركا لها سبعة أطفال يحتفي بهم البؤس الذي لا ينتهي.."والحل؟".. "من صاحب الحل".. فقد قيض الله لها أحد الجيران ليستضيفها خادمة في منزله دون أن تعمل.. فقد كان الصرع الذي يصيبها أقسى من أن تقف بما تبقى من هزال.. رغم محاولاتها الدائبة تقديم أي شيء حفاظا على ماء وجهها. كانت خيرية تكتب على سبورة سوداء بالطبشور الأبيض.. وتغير الزمن وأصبحت السبورة بيضاء تكتب عليها بأقلام سوداء.. ظننا أن الأمر تغير ولم نلاحظ أن ما كانت تكتبه لم يتغير.. وأنها لم تحمل بيدها أبدا ما يمكِّنها من محو ما تكتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.