استفادت المملكة، كما جميع الدول المصدرة للنفط، في الأعوام الأخيرة من الارتفاعات المتلاحقة لأسعار النفط الخام. ما مكنها من تكوين احتياطيات نقدية كبيرة نتجت عن الفوائض الكبيرة في ميزانيات هذه الأعوام. احتياطيات المملكة النقدية وصلت تقديراتها إلى نحو 1.3 تريليون ريال. هذا الرقم الكبير يقع تحت سلطة مؤسسة النقد العربي السعودي، والتي تقوم باستثمار هذه الاحتياطيات. وعلى الرغم من ضخامة الرقم المستثمر، إلا أن العوائد الاستثمارية له ضعيفة جدا، كون معظم الاحتياطيات مستثمرة على شكل أوراق مالية وسندات للخزينة الأمريكية مقومة بالدولار. وبسبب الأزمة المالية العالمية، فقد خفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بشكل كبير، دافعا إياه إلى ما يقارب الصفر. وبالتالي لم تعد هذه الاستثمارات تدر أي عوائد تذكر، ولكن على الرغم من ذلك، نجد تهافتها كبيرا على سندات الخزانة الأمريكية لهدف التحوط. وهو ما يتناسب مع رؤية مؤسسة النقد الرامية إلى المحافظة على رأس المال وعدم تعريض هذه الاحتياطيات لأي مخاطر، ولو على حساب العوائد. استراتيجية مؤسسة النقد باتت في حاجة ماسة للمراجعة، خصوصا بعد تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية. فعلى الرغم من أن الأزمة لم تؤثر على مكانة الدولار العالمية، إلا أنها زعزعت أركان الاقتصاد الأمريكي، وكشفت عن مكامن خلل هيكلية في نموذجها الاقتصادي المعتمد على الاستدانة. فاقتصاد الولاياتالمتحدة لم يحقق أي فائض في ميزانيته منذ عقود، وبالتالي بات الاقتصاد الأمريكي معتادا على تمويل عجوزات الميزانية عن طريق إصدار سندات وأوراق مالية لتمويل وإعادة تمويل هذه العجوزات. ولذلك فإنه في حال بدأ الاقتصاد العالمي في الخروج الفعلي من الأزمة الاقتصادية، وبدأت دول العالم في البحث عن مقرضين لتمويل مشاريع جديدة، فإن كل ذلك سيدفع أسعار الفائدة للارتفاع، وسيزيد الضغوط على الدولار لرفع أسعار الفائدة. ارتفاع أسعار الفائدة سيكون معول هدم بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، لأن مستوى الدين العام الأمريكي وصل إلى حدود غير مسبوقة. أسعار الفائدة المنخفضة هي ما يبقي خدمة هذه الديون في حدودها المعتادة، ولكن مع التعافي الاقتصادي، فإن الفوائد على الدين العام ستأكل خمس موارد الحكومة الأمريكية. وبدون نمو فعلي في الإيرادات، فإن الاقتصاد الأمريكي سيكون في مواجهة أزمة مالية بتزايد احتمال تخلفه عن سداد الفوائد المتراكمة. ولكن، بعكس اليونان، فإن الاحتياطي الفيدرالي قادر على طبع المزيد من الدولارات لتلبية هذه الاستحقاقات، الأمر الذي سيخفض من قيمة الدولار وسيساهم في انفجار التضخم. يبقى السؤال الأهم، في ظل تبعات الأزمة العالمية، هل يحافظ الاستثمار في الديون السيادية الأمريكية على رأس المال ويضمن بالحفاظ على قيمتها في المستقبل؟