يقبع خلف الشاشات كائن وندرك أنه يتنفس مثلنا تماماً على الرغم من جهلنا لحدود تفاصيل جسمه، وقسمات ملامحه ولون بشرته الذي بات غالباً أن يكون مائل للاستمرار قليلا أو كثيراً، ويعود الفضل لمبدع عصرنا الجديد وعالمنا الفاضل "تان"، ويربط بين هذا الكائن والشاشة 10 أعواد تشبه السواك تتحرك بحركات مذهلة لترسل بواسطتها كلمات تمت ترجمتها من أفكاره في ثواني معدودة، حتى امتلأت الشاشة بالكثير من أحرف تلك اللغة.. انتهت المهمة، أغلق جهازه ورحل..! هذه مقدمة تشبه للكثير منا .. هذا من جهة أو بالأصح جهتنا، تبقت جهة ثانية في الضفة الأخرى لكائن آخر يشبه الأول كثيراً، وربما يكون من بقية الأربعين شبيه له، وقد يختلف عنه شكلياً، ولكن عقلياً مهما كان التشابه بينهما فإنه لا يتعدى 50 % وقد يكون ذلك نادراً، وهذا ما خلق الاختلاف في الرأي والفكر وأسلوب طريقة النقاش، حتى لو كان النقاش أو الحوار أو الجدال كتابياً. الجميع لديه الكثير من الأملاك بمجرد امتلاكه (للإنترنت) حتى وإن كان مستواه المعيشي بسيط جداً.. لديه الكثير من الحسابات والمواقع وأغلبها تابعة لمواقع التواصل الاجتماعي المسجلة باسمه كما له حرية التصرف بها كيف يشاء ومتى شاء، حتى أصبحت هذه الهوية الإلكترونية الخاصة فيه، وبمجرد تواجدك في أحد حساباته فأنت مطلع على شخصه وجواز تنقلاته الإلكترونية . وربما تقول، ولعلك تجاهلت الفكرة أصلاً! (بأننا نجهل عن ما بداخله) والحقيقة ليس لأننا لا نعلم حقاً عنه، ولكن لأننا لا نهتم بالآخرين قدر اهتمامنا بأنفسنا والأنانية التي سيطرت على كل أفكارنا دون أن نشعر حتى أصبح همنا الأول والأخير هو إيصال ما لدينا للآخرين وتهميش كل شيء حولنا، مع العلم أن كل شيء حولنا فيه من القوة أضعاف ما نملك، وبإمكاننا نقل صلاحيتها لنا.. وكيف ذلك؟ الجديد الذي لا نعلمه أن المواقع أتاحت خاصية للتحكم بهذا الشخص عن بعد، ومع ذلك الأغلب لا يستخدمها وربما الكل! فبمجرد تواجدك في أحد حساباته، أنت امتلكت "الريموت كنترول" له! وبإمكانك التحكم به عن بعد لأنك مطلع بكل أحواله وحالاته، فالقاريء الذكي يفهم نفسية صاحب الحساب وأفكاره وخطوطه الحمراء ومدى تفتح عقليته وأشياء كثيرة أخرى، جميل أن نقوم بدور المعجب وصاحب الحساب في الوقت ذاته. عندما أكون قارئة أو مشاهدة لا أسمح لنفسي أن أكون متلقية فقط.. لابد وأن أعيش دور صاحب الموقع (الحساب) من خلال تبادل الأدوار والتمعن أكثر في اختياراته وكلماته، عن طريق طرح أسئلة بسيطة في نفسي.. ما الذي كان يشعر به وجعله يكتب هذه الكلمة؟ أو لماذا صوّر هذه الصورة والتقطها من هذه الزاوية تحديداً؟ ما هو البارز فيها ولفت انتباهه وجعله يختار الصورة بالشكل النهائي؟ كل شيء له دلالة، من الضروري نحس بإحساسه ونفكر بفكر الشخص الآخر، ولا نجعل من أنفسنا أداة متلقية لكل شيء حولنا سلبي وإيجابي وكأننا تحولنا لصندوق أسود، ونهمله حتى يتحول لقنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في أي لحظة وعلى أي من كان، ويستيقظ بداخله شيطان هتلر العديم من الإنسانية ولا يراعي طفل أمامه أو كبير سن ولا يعني له احترام الآخرين شيء، حتى يخسر الآخرين ويخسر نفسه معهم. ألخص كل ما ذكرته في جملة بسيطة "جميل أن نخلق الانسجام بالفكر".