ما أعظم من أن تكون الأمانة والنزاهة منهاجا وسلوكا يميز تعاملاتنا نحن المسلمين، ولا يمكن التخلي عنهما لأنهما من قيم ديننا الذي علم الدنيا الأخلاقيات والفضائل والقيم، ولا أقصد من إشارتي تلك التي كان لزاما علي أن استهل بها، أن أبعث برسالة تشاؤم حول القيمتين في حياتنا اليومية وديننا العظيم يحض عليهما، والتاريخ الإسلامي مليء بحكايات وقصص في الأمانة والنزاهة يجدر بنا أن نحكيها للأجيال، وكلنا نذكر قصة "الراعي" الذي سُئل بعض الغنم مقابل مال يقبضه هو، وإذا سأله صاحبها فليقل نفقت، فرد بعفوية وإيمان "وأين الله؟"، ولنا في رسول الله أسوة حسنة وهو "الأمين والصادق عليه أفضل الصلاة والتسليم"، لكني أسوق هذه الإشارة لواقع مؤلم نعيشه اليوم، لابد لنا من الاعتراف بوجوده، وأنا أرى أننا نفتقد "الأمانة والنزاهة" في كثير من تعاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض، بقصد وتخطيط أو غير ذلك، بل أجد أن من يحاول وفق ما نسميه ب"الشطارة" أو كما يقول إخواننا المصريون "الفهلوة " أو وفق قاعدة "خلك ذيب" أن يوظف هذه المهارة كما يراها بعضنا من أجل الانتصار والكسب، ولو أدى ذلك إلى التخلي عن "الأمانة والنزاهة" وتسريحهما في نزهة قصيرة "فما المشكلة؟". ولذلك كم مرة اشترينا "سلعة" ثم اكتشفنا أنها "مغشوشة"؟ كم مرة وجدنا أننا وقعنا في فخ "النصب والسرقة" وابتلعنا الطعم؟ كم مرة ذهبنا إلى قضاء مصالح في دائرة حكومية خدمية، فوجدنا من يماطل، أو يتحجج بكثرة الشغل، أو يستقبلنا بصلف لأن "مزاجه معكر"؟ كم مرة نكتشف أننا ضحية خدعة لكننا "نمشّيها" لأننا نريد أن تمضي حاجتنا دون تعطيل؟! كم فقدنا حقا أو خسرنا مالا أو وظيفة أو حظا بسبب انتزاعها بطرق ملتوية، كم.. وكم.. وحينما أسوق لكم مثالين من "الغرب"، فلا يعني أن الغرب أكثر نزاهة وأمانة منّا، ونحن نرى سياسة الغرب ظالمة، وتفتقد إلى النزاهة والأمانة في تناول قضايانا المصيرية عبر "التآمر عليها" الذي ينكره بعض بني القوم؛ إنما ذكري للموقفين هنا لنعرف أن الأمانة والنزاهة هما سلوك وقيمة وسمة إنسانية، لا يمكن التخلي عنهما، في دورة الأولمبياد الحالية في البرازيل ريو دي جانيرو حينما احتسب الحكم نقطة لصالح اللاعب "جاك سواك" لم يقبلها جاك، وسعى إلى لفت نظر الحكم ليخبره أمام الجمهور الذي ملأ الفضاء تصفيقا، وأمام تعجب خصمه؛ بأن الكرة وقعت داخل خطه، وللتأكد عليه إعادة اللقطة التلفزيونية، وهذا يعني احتساب نقطة لصالح خصمه! الموقف الآخر حينما ظن بطل سباق المارثون الكيني، أنه بلغ خط النهاية فتوقف عن الجري وأخذ يمشي، فلم يشأ المتسابق الإسباني وهو خلفه انتهاز غفلة المتسابق الكيني وتحقيق فوز باهت على حساب خطأ خصمه فيسبقه! وهو متصدر السباق منذ البداية، فدفعه بيده من الخلف منبها إياه بأن خط النهاية على بعد أمتار منه!