معظمنا شاهد المقطع الذي انتشر عبر "يوتيوب" قبل قرابة الأسبوع، والذي أنتجه وأخرجه طلاب ثانوية الأحساء في الجبيل الصناعية التابعة للهيئة الملكية بالجبيل وينبع، وتدور فكرته حول تبيين وإيضاح حقيقة فساد المتطرفين فكريا من الدواعش وغيرهم. الطلاب أنفسهم من قاموا بإعداد الفقرة، وتم عرضها خلال فترة الإذاعة الصباحية ولم تتجاوز مدة عرض الفكرة دقيقتين وبضع ثوان معدودة، إذ حملت مضامين وأبعاد تربوية واجتماعية وأمنية يصعب إيصالها بمئات الخطب والمواعظ والكلمات والنصائح، وهذا يسمى إبداعا وبراعة. المدرسة التربوية الأمنية، هي أحد مرتكزات وأسس معالجة التطرف الفكري والانحراف السلوكي، ولنقيس أثر هذا المقطع الذي بلغ عدد متابعيه آلاف المشاهدين، خاصة أن معظمهم من الفئة المستهدفة وهم الطلاب والتلاميذ الذين بأيديهم تبنى الأوطان أو تهدم، وتعد تجربة ناجحة ولا بد أن خلف ذلك العمل التربوي المميز إدارة تربوية ناجحة، ومعلمون مخلصون دعموهم وساندوهم ووجهوهم، إذ قاموا بتوظيف الإذاعة المدرسية والمسرح المدرسي في إيصال الرسالة الوطنية بالشكل المطلوب واللائق. من المعلوم أن مدارس الهيئة الملكية في الجبيل وينبع مستقلة إداريا وماليا عن وزارة التعليم، لهذا فهي تسعى إلى القيام بمبادرات مميزة ونوعية، تؤكد مدى تميز قدرات إداراتها ومعلميها وطلابها، ولست هنا أريد نسف جهود المدارس التابعة لوزارة التعليم، فهناك أنشطة فعالة ومميزة في معظم مدارس وزارة التعليم، لكن ما تميزت به مدارس الهيئة الملكية هو توفير البيئة المحفزة للإبداع، سواء في خاصية بناء المباني المدرسية بشكل يدفع المعلم والطالب إلى أمرين، "الإبداع/ والمسؤولية"، وهذان الأمران ناتجان عن توفر البيئة المناسبة، والبيئة هي أحد المحفزات الخارجية للإبداع. في الوقت نفسه، لو قمنا بعقد مقارنة منطقية وموضوعية بين مدرستين تقع إحداهما في الجبيل البلدة التابعة تعليميا لوزارة التعليم، والأخرى في الجبيل الصناعية وهي تابعة للخدمات التعليمية في الهيئة، لظهر لنا الفرق بين المدرستين من ناحية المساحة والنظافة والفصول والمكاتب والوسائل التعليمية والملاعب ومراكز مصادر التعلم، وحينئذ سنعرف السبب في أن البيئة المدرسية عامل مهم وكبير في إخراج المواهب وتوظيفها وتفريغها. لا صحة مطلقة لمن يقول إن ما يحدث الفرق ويبني الطالب هما الإدارة الجادة والمعلم المخلص وليس المبنى المدرسي، ويستدل بأن معظم المسؤولين الحاليين الذين يرأسون الوزارات والقطاعات المهمة بالدولة هم خريجو المدارس الحكومية العادية، لا سيما ذات المباني المتواضعة، وعدم صواب هذه المقولة يرجع إلى أن العصر اختلف وتجدد، فأصبحت مطالب التنمية غير التي كانت عليه في السابق، فالجيل الماضي كان بحاجة إلى معلم وفصل ومنهج، أما اليوم فهو بحاجة إلى معلم مبدع، وفصل مطعّم بالتقنية، ومنهج متجدد، وبيئة محفزة، وإدارة بارعة.