غريب أمر هذا العالم وإعلامه. معظم وسائل الإعلام الغربي وعلى مدى الأسبوعين الماضيين في الولاياتالمتحدة الأميركية لا تكاد تنفك عن الحديث عن موت أسد في أحد متنزهات زيمبابوي الأفريقية على يد طبيب أسنان أميركي من ولاية مينيسوتا يدعى (والتر بالمر). ضجت الصحف وأُذيعت البرامج سواء على القنوات الإخبارية التلفزيونية أو المحطات الإذاعية المحلية والوطنية؛ منددة بهذه الفعلة الدنيئة والشنيعة لهذا الطبيب الذي يقال إن له سوابق في هذا المجال الترفيهي التجاري. قتل في 2006 دباً أسود بولاية وسكنسين الأميركية. حرك وجه الأسد المقتول "غيلة" في رحلة السفاري هذه المشاعر، واستنفر الإعلام لتغطية هذا الخبر، بل إن هناك عريضة على الإنترنت باسم (العدالة لسيسيل) وقع عليها 265000 شخص حسب ما أورده موقع (بي بي سي) عربي. بل إن إحدى المهتمات بالشأن البيئي قالت: إن هذا الحادث قد أثر على نفسية باقي أفراد المجموعة التي ينتمي لها هذا الأسد؛ ما جعل (شون هنيدي) المذيع الأميركي المنتمي للحزب الجمهوري يتهكم عليها في برنامجه الإذاعي. كان الفرق في التناول والتغطية الإعلامية والصحفية ما بين خبر قتل هذا السائح الثري لحيوان وردة الفعل العنيفة في وسائل الإعلام الغربية، وخبر (إحراق) الطفل الرضيع البريء (علي سعد الدوابشة) مساحة كبيرة من الانهيار الأخلاقي والتحيز الإعلامي غير المسبوق، فمن خلال متابعتي لردود أفعال بعض الوسائل الإعلامية غير العربية اتضح لي أن المجال الإعلامي ملطخ وملوث بالمال السياسي والمصالح النفعية الاقتصادية. إذاً فمثل هذه الوسائل الإعلامية لا يرجى ولا ينتظر منها أن تنطق بقول الحق بعد اليوم حتى وإن مات عشرات الأطفال حرقا أو قتلا، كما حدث للطفل المقتول ظلما وعدوانا مع أسرته على يد إرهابي إسرائيلي. قتل (علي الدوابشة) حرقا ثم لحق به أبوه (سعد الدوابشة) فيما بقيت أم الطفل وزوجة الشهيد تنتظر العدل الإلهي المؤكد. كان التناول والمتابعة الإعلامية، وتغطية خبر قتل الحيوان (سيسيل) ثم إحراق (الدوابشة) يظهر مدى ذبول الحس البشري والإنساني، هي سقطة أخرى لوسائل إعلام يعتقد الكثير أنها تتمتع بالنزاهة والحيادية والمصداقية والوقوف مع الحق والإنسانية وإذا بها غير ذلك كله. كشف لنا خبر قتل (سيسيل) وخبر إحراق الطفل (علي الدوابشة) موتا للضمير الإعلامي الغربي وتبلدا للإنسانية المادية "البراجماتية" المتوحشة بشكل غير مسبوق.