أنس محمود الشيخ كردستان - العراق كنا قد تعودنا سابقا على رؤية دعاة الدين وهم يعتلون منابر الجوامع ويبدأون خطبهم العصماء بالتهجم على الممارسات والسياسات الخاطئة التي يمارسها ساسة بلدانهم حسب ما كانوا يرون، وكان يكفي أن تعلو نبرة صوت الخطيب ويصرخ حتى تبدأ جموع المصلين والمستمعين بالتكبير والعويل مع كل كلمة تنطلق من حنجرة الخطيب بصوته الجهوري. حتى أصبح معيار الخطيب الجيد هو مقدار تهجمه على سياسات الحكومات وباتوا يتنافسون في ذلك أيما منافسة، وكانت أكثر الجوامع روادا أكثرها تداولا للسياسة وأكثرها تهجما. استمرت هذه (الموضة) إلى أن ظهر داعش على الساحة وسيطر على أجزاء واسعة من المنطقة، لتهدأ هذه الأصوات بقدرة قادر، وينحسر اهتمامهم بالسياسة وتعطى المساحة الأكبر في خطبهم للأمور الفقهية.. ليس في الجوامع فقط، بل وحتى رجال الدين والدعاة (الإعلاميين) الذين لا تكاد تخلو فضائية منهم، أصبح شغلهم الشاغل الاهتمام بالسيرة النبوية والآراء الفقهية في مسائل الشرع، وكذلك الحديث عن الآخرة وأهوالها.. حتى يتخيل للمتابع لهذه البرامج أنه يعيش في عالم غير العالم الذي يعيش فيه هؤلاء. في ظروف كالتي تمر بها المنطقة ومع المؤامرة التي تستهدف الإسلام وتنفذها تنظيمات متطرفة شوهت هذا الدين السمح واستبدلته بدين كل ما فيه هو القتل والذبح أو الجلد وقطع اليد، نرى أن شيوخ الإسلام ورجالاته يعيشون حالة من الهدوء النفسي والرضا يحسدون عليها، دون اكتراث بالمسلمين الحائرين بين هذا وذاك ممن التبس عليهم دينهم ولم يعودوا يعرفوا أين الصحيح وأين الخطأ. كيف يمكن لدعاة دين يعتبرون أنفسهم غيارى على هذا الدين أن يصمتوا صمت القبور على ما يحدث في المنطقة وعلى ما يلاقيه الإسلام على يد هذه التنظيمات؟ هل يمكن أن نكون نحن المخطئين وأن يكون الإسلام هو هذا الذي يدعو إليه داعش؟ إن كان هذا هو الإسلام فلم الخجل من الاعتراف.. وإن كان لا فلم يحجمون عن قول الحقيقة؟ قد يقال إن أغلب رجال الدين المسلمين قد أظهروا مواقفهم الرافضة لداعش، فنقول.. قد يكون هذا صحيحا لكن.. هل يكفي الرفض اللفظي والكلامي في قضية خطيرة مثل هذه دون أن يكون هناك موقف جاد وحازم للتعبير عن هذا الرفض؟ لقد كنا نرى سابقا دعاة الدين هؤلاء وهم يقومون بحملات جماهيرية ضخمة ضد أشياء أقل ما يقال عنها إنها تافهة ويخصصون لها جل أوقاتهم وإمكاناتهم، بينما في أزمة تشويه دين بكامله يقتصر موقفهم على رفض كلامي وهذا أيضا يكون فقط في حال سؤالهم عنها. ما يدعو للاستغراب هو أن بعضا من (شيوخ الإسلام) وأثناء ثورات الربيع العربي كانوا يستنهضون حماس الشعوب العربية للثورة على حكامهم ويفتون لهم بالجهاد ضدهم، مع أن الجرائم التي ارتكبها الحكام العرب لم ترتق في بشاعتها لما يرتكبه داعش من جرائم، وطوال عقود من الزمن لم تشوه تلك الحكومات العربية (الدكتاتورية) الدين الإسلامي مثلما شوهه داعش في ثلاث سنوات. وما يدعو للاستغراب أيضا أن قسما من هؤلاء الشيوخ كان قد جن جنونهم عندما أزيح حكم الإخوان في مصر (وهم في أحسن الأحوال جماعة أو فصيل سياسي)، واصفين من قاموا بهذا التغير بالمرتدين والكفرة، محرضين الشعب المصري على حكومتهم الجديدة وإعلان الجهاد عليها، في حين أنهم ظلوا ساكتين إزاء ممارسات هذه المنظمات الإرهابية وهي تحاول إسقاط الإسلام بالكامل كدين وليس فقط كحزب أو جماعة. وهنا نود أن نتساءل.. ألا يستوجب خطر داعش إعلان الجهاد عليها من قبل هؤلاء؟ من الممكن تفسير الصمت المطبق منهم على ظاهرة داعش وتصرفاتها في ثلاثة احتمالات: فإما أن يكون بعض شيوخ الدين الإسلامي ودعاته جبناء لا يجرؤون على قول الحقيقة خوفا على حياتهم من هذه التنظيمات المتطرفة، وهم بذلك يتصرفون عكس ما كانوا يدَعون ويدعون الناس إليه من قول الحق حتى لو كلفهم حياتهم. أو أنهم يعرفون في دواخلهم أن هذا هو الدين الإسلامي، راضين ومقتنعين بما تقوم به هذه المنظمات المتطرفة جملة وتفصيلا، وحينذاك يجب على الحكومات وأجهزتها الأمنية اتخاذ ما تراه مناسبا مع كل من يتعاطف مع الإرهاب. فإذا أحسنا الظن ببعض دعاة ديننا وأخذنا الاحتمال الأول على أن الجبن هو ما يدفعهم للصمت (مع أنه احتمال معيب).. فنقول لهم: من المخجل أن تنزووا جانبا وترفعوا راية (صم بكم عمي فهم لا يفقهون) في الوقت الذي تتداعى جيوش أمم وشعوب كنتم تقولون عنها إنها كافرة لتدافع عنا وعن ديننا (حتى وإن كانوا يدافعون بذلك عن أنفسهم ضمنا). معيب أن ينبري رجال سياسة أوروبيون ليبرئوا ساحة الإسلام من هذا الفكر المتطرف، وأن يظهر فنانون عرب علمانيون لينتقدوا ممارسات داعش المنحرفة، بينما تختبئون أنتم وراء المنابر لا تنبسون ببنت شفة وكأن الأمر لا يعنيكم.. من العار أن فنانة أميركية غير مسلمة تدافع عن الإسلام وتقول إن هذا التطرف لا يمثله، بينما أنتم صامتون.