قال الباحث في تاريخ المدينةالمنورة المستشار في هيئة تطوير المدينةالمنورة الدكتور عبدالعزيز كعكي إن الإهمال أخرج كثيرا من المدن العربية التراثية من منظمة اليونيسكو ليجعلها خارج حفظ المنظمة العالمية للتراث، من بينها صنعاء ومدينة إب والزبيرية اليمنية وستلحق بها بعض المواقع المهمة الأخرى إن لم تقم الحكومات بحمايتها وتسجيلها في اليونيسكو. وأكد الكعكي في ندوة نظمتها أمانة منطقة المدينةالمنورة أمس بمناسبة اليوم العالمي للتراث التي أدارها الإعلامي ماجد الصقيري في حديقة الملك فهد، إن الجزيرة العربية تضم نصف تراث العالم، غير أن الإهمال والتأخر في تسجيلها في اليونيسكو هددا قيمتها التاريخية، مشيرا إلى أن الإهمال تسبب في شطب كثير من المدن العربية من قائمة التراث الإنساني بصورة نهائية، إذ قامت اليونيسكو أخيرا بشطب عدد من المواقع التاريخية ومواقع التراث العربي بعد أن تسبب الإهمال في تراجع قيمتها التاريخية والتراثية. وعدد كعكي عددا من المدن العربية التي أخرجها التفريط في التراث من المنظمة العالمية، من بينها مدن تاريخية في العراق واليمن، مشيرا إلى إهمال آخر يضيع التراث يتمثل في تأخر بعض الحكومات العربية في تسجيل إرثها التاريخي في اليونيسكو، مشيدا بحرص دولة الإمارات العربية وإقدامها على تسجيل تراثها حتى وصلت ب"التغرودة" للمنظمات الدولية المهتمة بحفظ التراث حفاظا على هويتها، مبينا أن التغرودة عبارة عن سبعة أبيات تعد نوعا من أنواع الشعر الشعبي الذي كان يقرضه الشعراء في الإمارات التي تعد الموطن الأصلي والحصري لهذا الفن الذي يؤديه الرجال على ظهور المطايا في ترحالهم من مكان إلى آخر ليسجل في التراث العالمي، بينما أهملت دول أخرى مدنا وجعلتها تتساقط من المنظمة بسبب التعديات والنزاعات فيها. وقال كعكي متحسرا: "كانت المدينةالمنورة من أعظم المدن التراثية في المملكة إلا أن كثرة التعديات على تراثها القديم وعدم تسجيله في المنظمات الدولية جعلاها تنحسر أمام المدن العربية الأخرى التي لقيت اهتماما بهذا المجال، مشيرا إلى أن الأديب المصري نجيب محفوظ حصل على جائزة نوبل في رواية وجهها لحفظ الحياة الاجتماعية القديمة لأحد أزقة مصر القديمة وهو زقاق المدق ونحن هنا ندمر تاريخ طيبة مثل ما حصل في إزالة الأحواش القديمة والأزقة في المدينة ونعود لنتباكى عليها ونحاكيها بمجسمات مصغرة، مثل ما هو ماثل أمامنا في شارع العينية في هذه الحديقة الذي لا يعد تراثا بحسب مقاييس المنظمات المعنية بحفظ التراث". بدوره، قال الباحث بتاريخ المدينة الدكتور تنيضب الفايدي إن النبي صلى عليه وسلم أول من قام بخطوات عملية لحفظ التراث، مشيرا إلى أن النبي قدم للمدينة وفيها 70 حصنا من الحصون القديمة وأمر بالحفاظ عليها وزاد من أعدادها، كما حافظ على منازل القبائل وثبت بعض الكلمات العربية التي كان يتعاطها العرب ومنع بني سلمة من تغيير ديارهم عندما أرادوا الاقتراب من المسجد النبوي للصلاة فيه، وقال الحديث المشهور "بني سلمة دياركم تكتب آثاركم"، في إشارة منه إلى عدم موافقته على تغيير مواقعهم والاقتراب من المسجد النبوي. ووصف الفايدي الحياة القديمة للمدينة المنورة واللحمة الاجتماعية قائلا: "شاهدت نساء المدينة قبل 40 عاما في أحد أزقة المدينة وهن يتبادلن شعلة النار للاقتباس من بعضهن البعض لإشعال النار للطبخ ولا تزال صور النساء وهن يتناولن شعلة النار من مشارف ونوافذ المنازل الطينية القديمة محفورة بذاكرتي حتى اليوم أستشعر بها اللحمة الاجتماعية التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا"، مطالبا بالحفاظ على هوية المدينةالمنورة الاجتماعية من الاندثار لأن بعض أئمة السلف اعتبر عوائد وأفعال أهل المدينة حجة وشرعا يقاس عليه مثل ما كان يذهب إليه الإمام مالك ومن اتبعه من السلف. وأكد الفايدي أن الشعراء القدامى جاهدوا لحفظ التراث عبر قصائدهم وأشعارهم القديمة، مستعرضا عددا من القصائد التي وصفت الحياة القديمة لتثبيتها في نظمهم لتصل للأجيال من بعدهم. يذكر أن الندوة التي أقامتها أمانة المدينةالمنورة بمناسبة اليوم العالمي للتراث التي جمعت بين الباحثين الكعكي والفايدي هي أول لقاء بينهما عندما فرقهما الاختلاف على موقع الخندق في المدينةالمنورة وصلت إلى مبادرة نادي المدينةالمنورة بطلب المناظرة العلمية وحدد لها موعدا إلا أن الكعكي غاب عنها ليجمعهما الاحتفال بالتراث أمس في حديقة الملك فهد ويتبادلان الاتهات على ضياع هوية المدينة القديمة.