داعية سعودي في بريطانيا يعقد الندوات والمحاضرات للدعوة إلى الله. أعجبته فاتنة بريطانية، "ظالمة الحسن في دلال وجمال وحياء، ساهمة الطرف كأحلام المساء". خامره منها الصبابة والجوى فطاش عقله بطيب شذاها وسحر هواها. فما كان منه إلا أن خطط للزواج بها رغم أنها متزوجة. قادته النية "الردية" كما يقول الراوي إلى أن يدعوها للإسلام، إذ إنها إذا أسلمت تنفصل "شرعا" عن زوجها غير المسلم، ويصبح حراما عليها ولا تحل له ولا يحل لها. بيّت النية والله أعلم بما يبيتون. وأخذ يقنعها بالإسلام ترغيبا وترهيبا ويحبب لها الدين. اجتهد أيما اجتهاد في عقد اللقاءات الدعوية بها وتقديم الهدايا وبث الصورة الجميلة للإسلام متمثلة في شخصه الكريم. دفع إليها بالكتب والبرامج والتسجيلات الدعوية حتى اقتنعت وأسلمت. رجع إلى زملائه مستبشرا متهلل المحيا، وجهه كأنه فلقة القمر، وقال لهم أبشروا بما يسركم وستسمعون ب"علوم" طيبة قريبا إن شاء الله. لكن الفتاة تحب زوجها وأرادت أن تنقله أيضا معها إلى الإسلام. فشرحت لزوجها دين الإسلام ورغبته فيه وقدمت له نفس الكتب والبرامج المهداة لها من الداعية الولهان. أثمرت جهودها الدعوية مع زوجها بأن أسلم هو الآخر والحمد لله. ذهبت الفتاة إلى المركز الإسلامي هناك فرحة مستبشرة تغمرها السعادة، يتدفق إلى جسدها إكسير الحياة بهرمون "الانروفين" فيتهلل وجهها، ويضيف إلى الحسن حسنا وإلى الجمال جمالا. وصلت إلى المركز باحثة عن الداعية العاشق، تريد أن تزف إليه الخبر السعيد بأن أنقذت زوجها من النار وأخرجته من الظلمات إلى النور. ولكم أن تتخيلوا كيف طار قلبه من هول الحسن المضاعف على محياها قبل أن تصدمه بالخبر الذي نزل عليه كالطامة مزلزلا كيانه المرهف. قاضيا على أحلامه الرومانسية حين قالت له: "أسلم زوجي". أسرها في نفسه ولم يبدها لها، ورجع إلى أصحابه عبوسا قمطريرا، كأن وجهه ليل مدلهم. اجتمع الأصدقاء إليه يريدون معرفة ما أصابه وألم بحاله حتى ظهر لهم بهذا المظهر الكئيب. قال لهم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وبعد إلحاح متواصل من الزملاء الأعزاء انبرى الداعية العاشق المتيم قائلا: "تعرفون زوج الحسناء المسلمة حديثا؟ لقد "أسلم ابن ......". هذه القصة "بتصرف" مرويٌ أصلها "اليوتيوبي" عن الداعية عائض القرني. ورغم أن الرواية هي من ضمن تلك القفشات الجميلة، ومسرودة على سبيل التندر والضحك وتمضية الوقت في برامج السمر على إحدى القنوات الفضائية والموثقة في اليوتيوب، إلا أن فيها من الوقفات والعبر التي تجعلنا نُسلّم بأن منا وفينا دعاة يتاجرون بالدين لتحقيق أهوائهم ومصالحهم الشخصية وأطماعهم المتعددة الوجهات كحال بطل الرواية المذكورة. وإلا فما معنى أن يكفهر وجه هذا الداعية، ويحل به الألم لأن رجلا كافرا بالله وبرسوله هداه رب العزة للدخول في دين الإسلام، ليصفه هذا الداعية ذو القلب الحاني ب"ابن ...."! أليست هذه خيانة عظمى لله، ولرسول الله، وللدعوة إلى دين الله. أين مبدأ الإخلاص الذي هو أعظم الأصول المهمة في دين الإسلام، وغاية قصوى في الأعمال القلبية التي تسبق أعمال الجوارح، إذ لا تقبل الأعمال والأقوال الصالحة إلا به لحديث "إنما الأعمال بالنيات". لقد طغى على كثير من المحسوبين على الدعوة تضليل الناس، وتوظيف الإسلام للوصول إلى ما يرنون إليه من أهدافهم المستورة. وما الأحداث الحديثة إلا خير شاهد على فضح أجندات بعض الدعاة ورموز الدعوة وثبوت ضلوعهم في التحزب لأطراف خارجية تكشفت نواياها الحاكمية لأقصى درجات الخيانة الوطنية، فلا غرو، فمن يخون ويرتزق بدينه خليق به أن يخون وطنه. هذه السياقات لا تعني عدم وجود دعاة ومصلحين أنقياء صادقين في دعوتهم وعلمهم وعملهم نحبهم وندعوا لهم. بيد أن هذا لا يعني التسليم المطلق لكل من رفع لواء الخطاب الديني حتى يتم تمحيص القول أو الفعل وتمريره على معطيات النصوص الموثقة المعتدلة لتحقيق السلوك الوسطي النزيه من شوائب الشبهات والشهوات، حينها نفرح بإسلام الكافر، ونقول له: "أسْلمَ وجهه لله"، بدلا من قول: "أسْلمَ ابن ......".