تبدو كلمة "تسامح" مألوفة ولا تحتاج إلى تفسير. ربما هي من المفاهيم المتداوله في حياتنا اليومية لدرجة أننا لم نفكر بتشريحها قط. إذ إن أول ما يتبادر إلى الأذهان عن مفهوم التسامح أنه الصفح عن الخطأ، وذلك بالطبع مفهوم مبتور لغويا. التسامح هو ثقافة التعايش. تعايش مع الاختلاف بل والخطأ كذلك. في التسامح إدراك جم بالطبيعة البشرية التي هي النقص والخطأ. ثم إن في التسامح قوة على تخطي الماضي وتجاوز المواقف والعثرات. يقول علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، "إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه". لقد ارتبط التسامح على مر العصور بالحضارة، حضارة الفكر وليس بالضرورة المعمار، ولازم الشعوب المتحضرة لما فيه من إقرار بالتعددية الثقافية. لذلك عرفت الإمبراطورية العثمانية في أوج ازدهارها قديما بهذه الصفة، وأشار إليها الكثير ممن ارتادوا هنالك من تجار وسفراء ورحالة وعبيد. ولقياس مدى تسامح الناس بعضهم بعضا، فلننظر إلى تجاوبهم مع القناعات والمفاهيم الرمادية ببيئتهم، ثم إلى تعاملهم مع الوافدين إلى البلاد وهذا غالبا ما يتبعه العالم ليقيس صفة التسامح لدى الشعوب ومدى تقبلهم لكل ما يأتي مع الوافدين من دين إلى رائحة طعام. من التسامح أيضا ألا تعكر عقلية "نحن مقابل هم" صفو المكان، وتشعرك بأنك في حرب مع كل شيء يختلف عنك أو يناقضك. ومن أجمل الأقوال التي سكنت مخيلتي في التسامح هي ل"لويس سميدس" التي صور فيها ببراعة الحالة الداخلية للمرء عندما يسامح قائلا: "أنْ تسامح أي أنْ تطلق سجينا ثم تكتشف أنّ السجين كان أنت"، ويقول د. منصور فهمي: لولا التسامح وبلسمه الشافي، لالتهبت النفوس من كل مجادلة، أو من كل مبادلة، ولولاه لجرحت نفوس الناس من التشاد، وتورمت أفئدتهم من الأحقاد، ولولاه لتقطعت أوصال المحبين، وتفرقت جموع المتواصلين، فهو نعمة لولاه لما ظل الخير بين الناس. إن التسامح إحدى أجمل صور نشر السلام، ابتداء من النفس والمنزل إلى كل ما تصبو إليه أقدامنا. فلنُلبس إذًا سيدة تسامح فستانا آخر يليق بمعناها الكبير.