أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    سعود بن مشعل يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    الانتخابات بين النزاهة والفساد    استعرضا العلاقات السعودية- الأمريكية والمستجدات.. ولي العهد وسوليفان يبحثان صيغة الاتفاقيات الإستراتيجية    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    سياحة صحية    نيابة عن سمو ولي العهد.. الفضلي يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    انطلاق مؤتمر «مستقبل الطيران» بالرياض    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    مدرج الأهلي أمر !    دوري روشن.. ما الذي تحقق؟    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    خادم الحرمين الشريفين يُجري فحوصات طبية في العيادات الملكية    "إنفاذ" يُشرف على 38 مزادًا لبيع 276 من العقارات والمركبات    أمطارٍ متفرقة مصحوبة بزخات من البرد على منطقة الباحة    تفوق واستحقاق    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا    أثر الفن الجميل !    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    مضر يوقف انتصارات الخليج في ممتاز شباب اليد    تشكيل أول لجنة للتطوير العقاري ب "اتحاد الغرف"    وزير "الموارد البشرية" يُصدر قرارًا بتعديل تنظيم العمل المَرِن    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    الصحافة.. المكانة والمهنية    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    عن "المؤتمر الدولي" و"قوّة الحماية الأممية"    مرحباً بقدومكم يا ولي العهد الأمين للشرقية    السعودية تطلق منصة فورية لإدارة حركة الإحالات الطبية    روسيا تتقدم في أعماق دفاعات أوكرانيا    المملكة رئيس للمجلس التنفيذي ل «الألكسو» حتى 2026    انقسام قادة إسرائيل واحتدام الحرب    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 180 كيلوغراما من نبات القات    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسيان مدير مركز الإنتاج الاذاعي والتلفزيوني بالمنطقة بوفاة والدته    مبادرة "طريق مكة" تسخّر أفضل الخدمات لضيوف الرحمن في بنجلاديش    أمير منطقة تبوك يرأس اجتماع جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية    أرامكو السعودية توقع ثلاث مذكرات تفاهم خلال زيارة وزير الطاقة الأمريكي    وزير الخارجية يبحث ترتيبات زيارة ولي العهد إلى باكستان    1.8% نسبة الإعاقة بين سكان المملكة    نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع رفيع المستوى بين مركز الملك الفيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وتحالف الحضارات للأمم المتحدة ومركز نظامي جانجوي الدولي    وزير الإسكان يرعى فعاليات منتدى الوطنية للإسكان لسلاسل الإمداد العقاري غداً بمشاركة محلية ودولية    سفير إندونيسيا لدى المملكة: "مبادرة طريق مكة" نموذج من عناية المملكة بضيوف الرحمن    وزير الصحة الماليزي: نراقب عن كثب وضع جائحة كورونا في سنغافورة    الأرصاد: استمرار فرص هطول الأمطار على بعض المناطق    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوقف ضرورة برزخية
نشر في الوطن يوم 06 - 01 - 2024

ما فائدة الصدق إن كنت على يقين من (أوهامك)؟ ما الوهم إن لم يكن كذباً على النفس ما زلت تصدقه؟
يا لفجيعة الأخلاقيين عندما يكتشفون الصدق باعتباره موقفاً عقلياً من تصورات (نفسية) لأحداث لها زوايا رؤية مختلفة تجعل الصادق كاذباً والكاذب صادقاً، فأين القيمة؟ وعندما نتحدث عن (القيمة) فنحن نتحدث عن (ذات الشيء) وهذا أمر يختلف عن (الثمن) المرتبط بالشيء وعلاقته بما حوله، لترى الشيء وقد تحول من (قيمة ذاتية) إلى (قيمة تبادلية)، ولهذا فلم أجد شيئا أعلى قيمة من (الإنسان) حتى الكعبة هدمتها السيول وضربها الحجاج بالمنجنيق ونقضها القرامطة حجراً حجراً ثم عاد بناؤها شامخاً من جديد لتحمل معناها من خلال (الإنسان) يطوف حولها، ولهذا ستجد كبرياء السنوات الضوئية في مجرات ونجوم الكون تتحطم بمجرد انقراض آخر مبتهلٍ في الأرض، فبقدر ما قمع العلم كبرياءنا المتماهية مع كبرياء الكون، بقدر ما انعكس ذلك على (قيمتنا) التي ازدادت تذبذباً حتى أصبحت تجمع تناقضات فيزياء الكم، كما لو كان سؤال الكون مختزلاً في (قطة شرودنغر).
ما لنا ولقطة شرودنغر إن نحن لم نفهم ونفطن ونتفكر ونتأمل ونستوعب ونعي وندرك ونعرف مسيرة حي بن يقظان منذ ميلاده في حضن مرضعته الظبية حتى (أتاه اليقين)، ما لنا وللتفكير ونحن نخلطه بالوهم غير مدركين أن من يفكر يحاول إدراك الشيء في معناه/جوهره، فالمفكر يريد الإمساك بالأنطولوجيا وقد تخلى عن الميثولوجيا؟! لنرى هايدغر يرضع من ثدي الشرق روحانيته نقمةً في الآلة لنشرب نبيذاً من عنب الميثولوجيا من جديد تحت سقف الدازاين الغنوصي، بينما الواهم يدعي الوعي بالشيء في مبناه وقد تلاعبت به مرايا الأيديولوجيا لنرى الأصولية الدينية المتطرفة كرأس هيدرا الأسطوري عندما يقطعه هرقل الحداثة، فينمو برؤوس أكثر لنجد الأصولية من الهندوسية شرقاً إلى المسيحية غرباً مروراً بعراب التطرف بينهما، فكأنما هيدرا الأصولية المتطرفة تنبت في كل ملة ونحلة رغم ضربات هرقل الحداثة، ربما السر في الرأسمالية التي حملت جرثومة البروتستانتية كما يدعي ماكس فيبر، فالرأسمالية ما زالت تشد عجين الحضارة إلى موقدها الإمبريالي، تنضجه لنا خبزاً اسمه (حقوق الإنسان) يأكله الجوعى إلى «كرامة» على أرضهم، فيبصقونه دماً في الدياسبورا العربية.
قد يردد الواهم «ألفية ابن مالك» غيباً ويسميها رجزاً يريد بحفظها سلطةً في النقد بسبب محفوظاته النحوية والصرفية (الألسنية)، بينما المفكر يدرك أن أخطاء المتنبي النحوية والصرفية التي تحذلق بها بعض النحاة على رأسه لم تحرك شعرة واحدة في مفرقه، مدركاً أن اللغة جاءت قبل النحو، وأن الشعر كان لقرون قبل الفراهيدي، وأن (الشعراء/أنبياء اللغة) سادة المجاز الممتد للأبد.
توقفت عن الكتابة لأنها بالنسبة لي (قيمة ذاتية) وليست (قيمة تبادلية)، وبقدر عجزي الذاتي بقدر ما أنكفئ عن الكتابة، فلست هوميروس أو دي مونتيني خالداً في الكتابة، ولا حتى كاتب مبتدئ منذ سنتين يشبهني في الحماس (والغرور) قبل عشرين عاما، توقفت عن الكتابة لأني عاجز عن تجاوز التكرار، ليس أمام الجمهور فغالبهم سمك/ذاكرتهم قصيرة، بل أمام القلة النادرة التي وصلت إلى مقام قاسم حداد إذ يقول: (القراءة زيت قنديلك، أيها القابع في عتمة الثقة) ولهذا من حقنا القلق على (حقيقة وجودنا) ما بين (وجود أصيل) نعض عليه بالنواجذ وحدنا، خير من (وجود مبتذل/مزيف) يملؤه تصفيق الجموع، والفرق يكمن في أن تعيش (أنت)، أو تعيش طيلة عمرك (تتقمص الآخرين) فاقداً ذاتك ذاهلاً عنها مدمناً لعبة (الزحلقة/الانزلاق) على الوقت.
توقفت عن الكتابة لأنها شيء عزيز لا علاقة له بالهراء، وخطر (الهراء) على الحضارة أشد من خطر الكذب كما يرى ذلك الفيلسوف الأمريكي هاري فرانكفورت، لم يوقفني أحد لكن أوقفني (اللا أحد)، شعور الصقيع بداخلي يؤكد مصابي القريب لمصاب ديوجين يطوف بمصباحه في هاجرة الشمس بحثاً عن (رَجُل/ إنسان)، وقد نجده في الكتب أكثر مما تجده بين الناس، توقفت عن الكتابة عندما ارتد العقل العربي إلى عقل بدائي شبه عاري يقدم قرابينه/ أبناءه بالآلاف على مذبح الإله مولوخ متضرعاً بالقرابين يرجو النصر بصوت الرعد وسيف البرق، فيزداد بخوعه أمام (عبث الأقدار).
توقفت عن الكتابة وكتبت هذا المقال لأؤكد رغبتي في مواصلة التوقف ما دمت جاهلاً جهلي، غافلاً عن غفلتي، سادراً في سدرتي، أريد أن أعود قلماً بفتوة الشباب كما كنت في (سياط الكهنوت، حجامة العقل وإخوتهما الأشقاء وغير الشقيق)، ربما يعود هذا إلى أن الكتابة امتزجت بأزمة منتصف العمر، ولا بأس فقد كنت في شبابي أقوى في الكتابة، لكني الآن أقدر، فالقوي أنفذ مع رهق، والقادر أحكم مع رشد، ولهذا أعود لحالي القديمة في الكتابة بلا موعد أو ارتباط.
قرأت منذ انقطاعي شيئاً معقولاً من كتب الاقتصاد الأكاديمية، فإذا بها كتب التسويق/السوق الرأسمالية، كي نبقى ذاهلين عن النظر الحر في كتب (الاقتصاد السياسي)، فأخافني أن يتحول الناس إلى صنفين أدوات وسلعة وتتحول الدول إلى سوق، والذكاء الصناعي سيحدد الثمن ويبيع البشر، سوق نخاسة مؤتمت/رقمي، ترى فيه (الإنسان) منقسما على ذاته نصفين، فنصف نخاس/رأسمالي، ونصف عبد/مستهلك.
خوفي ليس سببه (نباهة) أو (استحمار) يُحذِّر منه (علي شريعتي)، بل يعود إلى جينات زراعية وراثية ترى أن الأرض (قيمة ذاتية) وليست (قيمة تبادلية)، فتراني أختم هذا المقال وفي ذاكرتي سطر السنابل في الحقول/المصاطب الجبلية، وعمري عشر سنوات وأبي يهمزني بالكلام (كيف يسبقك العُمَّال في الصريم؟!!) ومعي المنجل، سابقتهم مخلصاً صادقاً فانجرحت يدي بالمنجل وأنا أجز السنابل، اتهمني أبي بتعمد ذلك كي أرتاح، لم أبال بتبرير نفسي أمامه، تركت المنجل والصريم، جلست في الظل أطبب جرحي ودمي النازف، فبداخلي كل نفاق البرجوازية تصرخ بالعمال كأنها منهم رافعةً بيسارها سنابل القمح، وبيمينها كوب فرابوتشينو من ستاربكس، فاحذروا (شياطين البرجوازية) وصدقوا (تراب الوطن).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.