في يناير بدأ العقد الجديد بمواجهة عالمية للقضاء على فيروس كورونا المستجد الذي أدى إلى تباطؤ شديد في وتيرة الاقتصادات العالمية نتيجة الإغلاقات والتحفظّات الطبية. وقد لا يكون هذا التباطؤ شراً كلّه، فهناك دول استفادت من هذه الفترة من خلال تسريع مشروعاتها في مجالات الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة وأكبر الرابحين كانت الصين. ومن تلك الدول التي استفادت أيضاً من هذه الفترة هي السعودية من خلال تسريع مشروعاتها في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وأيضاً مشروع الهيدروجين الأخضر في نيوم بتكلفة 5 مليارات دولار لتوليد الهيدروجين بالتحليل الكهربائي لمياه البحر، بالإضافة إلى مشروعات تعمل عليها أرامكو السعودية حالياً لتنمية قطاع البتروكيمياويات من خلال رفع كفاءة معالجة الغاز الطبيعي، وزيادة نقائه، ومشروع النفط الخام إلى كيميائيات، من خلال بناء وحدات تكسير لتحويل النفط إلى مواد كيميائية. عالمياً، يتم استخدام جميع موارد الطاقة في مجالات حياتية أساسية مثل إنتاج الكهرباء للصناعة والسكن ووقود المواصلات والمواد الكيميائية وإنتاج الحديد والصلب. ويمكن تقسيم موارد الطاقة إلى قسمين، هما موارد الطاقة المتجددة والنظيفة، وموارد الطاقة التقليدية غير المتجددة، ونعني بالتجدد هنا أي أنها غير ناضبة. وتأتي الطاقة الشمسية كأحد أهم موارد الطاقة المتجددة، والجديد في موضوع الطاقة الشمسية أن كلفة إنتاجها وصيانتها وتشغيلها انخفضت بشكل كبير مقارنة بالعقد الماضي نتيجة التشريعات الدولية وأيضاً تطوّر التقنيات، ولكن هناك تحديدات تواجه هذا المصدر بالتحديد أهمها استدامة المصدر الشمسي بمعنى معدلات الإشراق، وأيضاً مواءمة شبكات الكهرباء الحالية المعتمدة على الغاز والنفط مع مصادر الطاقة الشمسية، وهو ما يعني أن الدول التي تريد تبنّي الطاقة الشمسية كمصدر أساسي للطاقة عليها الاستثمار وضخ المليارات في إعادة تهيئة بنيتها التحتية الكهربائية، وهو جانب بحاجة إلى ميزانيات ضخمة. ويعتبر الهيدروجين الأخضر وهو الهيدروجين النظيف الذي يتم إنتاجه من خلال فصل جزيء الهيدروجين من الماء عن الأوكسجين من خلال تقنية التحليل الكهربائي لمياه البحر والكهرباء العالية، التي سيتم استخدامها في التحليل، ويجب أن تكون ذات مصدر نظيف ومتجدد. وهو ما تقوم به السعودية فعلاً لإنتاج 700 مليون طن متري من غاز الهيدروجين يومياً بدءً من العام 2025م حيث يمكن شحنه عبر الأنابيب أو عبر البواخر أو تحويله إلى مادة الأمونيا لنقله بشكل آمن. وتأتي أهمية الهيدروجين الأخضر السعودي في كونه سيقضي على 3 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث سنوياً إلى كوكب الأرض. وإذا أضفنا هذا الرقم إلى قدرة السعودية على التقاط مليون طن آخر من غاز ثاني أكسيد الكربون في عملياتها الصناعية سيكون إجمالي ما ساهمت به السعودية لحماية كوكب الأرض 4 ملايين طن من غاز CO2. ويأتي النفط كأهم مصادر الطاقة غير المتجددة، وهو على الرغم من الأصوات الأوروبية والأمريكية التي تنادي بفرض قيود على الاستثمار فيه وفي مشروعاته التابعة، إلا أنه هو الرقم الأصعب، خصوصاً فيما يتعلق بالوقود. حيث يمثل الوقود ما نسبته %50 من منتجات النفط. فهو أساسي كوقود للطائرات والرافعات والشاحنات الكبيرة التي هي بحاجة إلى طاقة عالية ورخيصة لاستدامة أعمالها سواء في قطاع الأعمال اللوجستية أو أعمال البناء والتشييد. لذلك تأتي مشروعات تحويل النفط الخام إلى كيميائيات لتعطي حلاً متكاملاً لتحويل النفط الخام من خلال وحدات تكسير إلى غاز جاف، ويمكن إنتاج المواد الكيميائية منها، لتعطي غاز الهيدروجين الأزرق ووقود على الجانب الآخر. وهي أفضل طريقة للاستفادة من برميل النفط عوضاً عن تصديره كخام. ولك أن تدرك عزيزي القارئ أن هناك ستة مشروعات فقط في العالم لتحويل النفط الخام إلى كيميائيات، خمسة في الصين وواحد في السعودية بين أرامكو وسابك. ولك أن تعرف أيضاً أن اليابان قررت اعتمادها على الهيدروجين الأزرق بمعدل 10 ملايين طن متري سنوياً بحلول العام 2050، وتحقيق الانبعاث الصفري للكربون بشراكة مباشرة مع السعودية. كما أن النهضة والطفرة التنموية في الهند هي بحاجة إلى النفط الخام والطاقة الهيدروجينية. فهل سيكون المناخ الشمسي الدائم والمساحات الجغرافية الشاسعة في السعودية والهندوالصين والرغبة اليابانية في إنتاج صفر كربون بحلول 2050م هي التوجه الإستراتيجي الأمثل للسعودية عوضاً عن الغرب؟ أعتقد ذلك. وختاماً لك أن تعرف عزيزي القارئ أن أهم عامل في كل موارد الطاقة، هو انخفاض تكلفتها، وانخفاض الحاجة للإنفاق للتطبيق، وأيضاً الموقع الجغرافي للإمداد والتوصيل. وهو ما يجعل السعودية في موقف ممتاز لربط الشرق والغرب وتوزيع السلة في سوق الطاقة.