قد يكون من دواعي الغرابة أن يكتب مقال عن السدود في المملكة يعنون بهذا العنوان «أنف الظبي وعينه» لأن العلاقة بين هذا وهذا بعيدة، بعد ما بين ثريا بن أبي ربيعة وسهيل حينما يقول: أيها المنطح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان هي شامية إذا ما استقلت ** وسهيل إذا استقل يماني ولكني أريد من القارئ الكريم أن يمهلني فوجه الشبه - على حد تعبير البلاغيين - يأتي: مما هو مدرك للجميع، أن بلادنا أو الجزء الأكبر منها شحيح الأمطار لذا عدمت فيها الأنهر، وقلت الينابيع، واختصت المياه الجوفية بأمكنة دون أخرى .. فلجأ أهلها منذ السدود يختزنون الماء فيها فيستغلونه ما دام على سطح الأرض في سقيا حروثهم وأشجارهم، وينتفعون بما تختزنه الأرض في جوفها منه بوساطة الحفر والاستنباط .. وهكذا وجدوا في هذه الوسيلة سببا لحفظ المياه والاستفادة منها. فالتاريخ يحدثنا عن ذلك بالشيء الكثير حتى لقد ذكر في بلدة الطائف وحدها ثمانون سدا، والقرآن يحدثنا عن سبأ وجنتيها وأنهما آية من آيات الله، أثر ما أقيم هنالك من سد صنع هذه الجنان وجعل من بلاد سبأ أعجوبة خالدة في الرخاء والنعيم، وإذا لم تريدوا استنطاق التاريخ فسيروا في الأرض ثم انظروا ما هنالك من شعب أو قلعة أو واد لا يوجد به آثار سد أو سدود شاهدة بعينها على مالها من اهتمام وأثر لدى الأقدمين. وإذا كنا نرى أن أولئك أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما نكسب لأننا في عصر العلم، عصر الذرة وغزو الفضاء، فلنستعمل العلم ولا شيء غيره فمرحبا بالعلم يتخذ من التجربة سلما إلى الحقيقة ومن الوقائع والقرائن سبيلا إلى النجاح ولكن هل سيكون ذلك؟! لقد جاء العلم منذ سنين إلى شرقي المملكة لينقب عن الزيت هنالك فنقب ونقب، ثم جر عصاه وقرر أنه لا زيت .. ليأتي العلم الصحيح مرة أخرى فيجد أن المنطقة تسبح فوق بحيرة من الزيت. وجاء العلم ليرى هل يوجد تحت الرياض مياه جوفية غزيرة؟ فبحث ونقب وانقلب يقرر: لا ماء تحت الرياض ثم جاء العلم الصحيح واكتشف المياه الغزيرة تحت الرياض.. وجاء العلم مرة ثالثة ليعطي المشورة هل تصلح السدود في منطقة الرياض؟ فأعطى تقريره: إنها لا تصلح لأنها تقع في منطقة حارة سرعان ما تبخر الشمس والهواء المخزون من الماء، بينما تمنع الرواسب الطينية تسربه إلى جوف الأرض هكذا قال العلم ولكنها عملت تجارب رغم قرار العلم فأعطت نتائج مائة في المائة، وأحيت نخيلا وبساتين وزروعا وثمارا بعد أن استبد اليأس بأهلها، وأمدت الرياض بالماء وأصبح نجاحها لا ينتطح فيه عنزان بل عنز هي عنز وزارة الزراعة تنتطح الحقيقة كأنها وعل الأعشى حيث يقول: كناطح صخرة يوما ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل فوزارة الزراعة لا تزال تصر على أنه يجب أن تدرس هل تصلح السدود أم لا تصلح؟!!! وهل أتاك حديث الظبي وعينه وأنفه؟، يقال إن حاسة الشم عند الظبي قوية جدا وأنه يعتمد على هذه الحاسة حتى ليفرط في الاعتماد فيرى القانص بعينه ولا يصدقها، بل يذهب يستفتي أنفه هل هذا قانص حقا؟ فيهرب منه أو لا فيرتع..! ولعله بهذا ظهر وجه الشبه وكم في الزوايا من خبايا. 1965* * أديب سعودي «1920-2011»