كثيرا ما تصلني رسائل وصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تعبر عن الزمن القديم الذي عشناه خلال ال 40 سنة الماضية. هذه الصور يعبر عنها ليس كصور من الماضي أو التراث، فمن ليس له ماض ليس له حاضر أو مستقبل، ولكن المشكلة أنها تعنون "بأيام الزمن الجميل"، بل أصبح مصطلح الزمن الجميل يطلق على تلك الأيام الماضية. فهل بالفعل كان ماضيا جميلا؟ أم أن الحاضر أجمل؟ والمستقبل بإذن الله سيكون أجمل وأجمل؟ فمن ينعت الماضي بالزمن الجميل كأنه يقول إن ماضينا أحسن من حاضرنا وهو ما يعني أن عجلة التنمية توقفت عند تلك الفترة، وهذا خلاف الواقع. فلغة الأرقام تقول إن حاضرنا أفضل بكثير من ماضينا على جميع الأصعدة وفي شتى مناحي الحياة. فأولا: انخفضت نسبة الأمية 60 في المائة خلال ال40 سنة الماضية. فالأمية عام 1392 كانت 60 في المائة، بينما انخفضت إلى 4 في المائة عام 1433. بل حتى خلال ال 20 سنة الماضية فالأمية انخفضت بأكثر من النصف، فقد كانت نسبة الأمية بين الرجال عام 1418 تتجاوز 12 في المائة بينما أصبحت عام 1435 لا تتجاوز 3 في المائة. أما الأمية بين النساء فقد شكلت النسبة الأعلى بسبب مقاومة بعض فئات المجتمع لتعليم المرأة لكنها انخفضت أيضا بصورة سريعة جدا، فقد كانت في حدود 40 في المائة عام 1415 وانخفضت إلى حدود 8 في المائة عام 1436، أما الآن فقد وصلت نسبة الانضمام للمدارس نحو 99 في المائة حسب تقارير اليونسيف للعام الماضي. الجميل أن التغيير الذي شهده تعليم المرأة وانخفاض نسبة الأمية بين النساء تم بطريقة ذكية جدا ودون أن يتسبب في إحداث تصادم بين فئات المجتمع المختلفة، وفي الوقت نفسه تم خفض نسبة الأمية بين النساء بشكل سريع جدا وخلال فترة محدودة. بل إنه من النادر أن تجد في دولة أعداد الجامعات المخصصة للطالبات أكثر من أعداد الجامعات المخصصة للطلاب كما هو واقع جامعاتنا. فكل الجامعات لدينا تقبل طلابا وطالبات لكن للطالبات جامعة إضافية مخصصة لهن وهي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن. ثانيا: على المستوى الصحي فقد كان متوسط الأعمار للشعب السعودي في حدود 69 سنة 1990 إلى أن وصل إلى 74.8 سنة 2016. معدل الأعمار في المملكة أعلى من المعدل الإقليمي بستة أعوام وأعلى من المعدل العالمي ب 3.4 عام. بل إن من ضمن أهداف المملكة 2030 أن يبلغ متوسط العمر 80 عاما بحلول 2020. كما انخفض معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة من 20 حالة عام 1990 لتصبح 4.8 عام 2016 لكل ألف مولود. فيما انخفض معدل وفيات الأمهات 48 لكل مائة ألف مولود عام 1990 إلى 12 عام 2015. هذا بخلاف المؤشرات الصحية الأخرى التي تحسنت بصورة كبيرة خلال الفترة السابقة. ثالثا: على المستوى الاقتصادي، أصبحت المملكة أخيرا من ضمن أقوى 20 اقتصادا في العالم، وإحدى ثلاث دول المضافة أخيرا والمؤثرة في سياسة صندوق النقد الدولي، إضافة إلى الدول الخمسة الرئيسة في الصندوق. بل إن بعض الدراسات تنبأت بأن تصبح المملكة من ضمن أكبر 13 مركزا في اقتصادات دول العالم عام 2030. رابعا: على مستوى التخطيط، ففي السابق كان كثير من القرارات مبني على اجتهادات شخصية حتى لدى الإدارات التنفيذية. فخطط المملكة الخمسية كانت مجرد وثائق وبعيدة عن الواقع التنموي للبلاد. وكان كل وزير يضع الخطط التي يراها ويضع في الدرج خطط الوزير الذي سبقه. أما الآن فلدينا "رؤية" نسعى لتحقيقها ولم يعد الأمر متروكا للوزير. بل إن "الرؤية" وبرامج "التحول الوطني" اهتمت بتكامل الخطط والبرامج بين الوزارات المعنية. والجميل أن هذه "الرؤية" مدعومة ببرامج متعددة ومتكاملة ومنضبطة ببرامج حوكمة تساعد على تعميق العمل المؤسساتي وتعزز من توازن صناعة القرار سواء على الجوانب التنفيذية أم الرقابية أم التشريعية. فصناعة القرار أصبحت مبنية على عمل مؤسساتي. كما أن "رؤية 2030" ستكون بمنزلة الطريق الذي ستسير عليه البلاد. وأصبحت لدينا أهداف مبنية على معايير وأرقام نسعى لتحقيقها، لكن في السابق لم تكن لنا رؤية وأحيانا كنا نشهد نوعأ من التناقض في القرارات بسبب اختلاف الوزراء المعنيين. وكانت الخطط وصفية تفتقد الأرقام التي تدعم التوجه وتوثق مصداقية الرغبة في تحقيقها. ففي وقت ما يسمى الزمن الجميل كانت النظرة للمرأة سلبية بل البعض حاول منعها من التعليم. فالنظرة للمرأة كان يغلب عليها النقص وكأنها من سقط المتاع، بل البعض مع الأسف الشديد يتلفظ بعبارات مهينة عن ذكر المرأة. مع الأسف كان لعديد من العادات الاجتماعية التي غلفت بلباس الدين، دور سلبي في ضعف تمكين المرأة في شتى مناحي الحياة. فلا شك أن وضع المرأة الآن أفضل بمراحل عما كان وضعها عليه في ما يسمى "الزمن الجميل" أو "زمن الطيبين". فمثلا مشاركة المرأة في سوق العمل كانت النسبة لا تذكر إطلاقا وكانت الوظائف محصورة في قطاع التعليم فقط، لكن بحمد الله تم فتح عديد من المجالات لها، ووصلت مشاركتها إلى 17 في المائة قبل عام، والهدف يحدونا لأن تصل النسبة إلى 30 في المائة عام 2020 وفقا لبرنامج "التحول الوطني". لكن البعض يعبر عن الزمن الجميل لكون الحياة أيامها تتسم بالبساطة وعدم التكلف نظرا لمحدودية السكان وغلبة نمط الحياة القروية على الحياة العامة. وهذا قد يكون صحيحا لكن من الطبيعي أن يختلف نمط الحياة بين سكان القرى وسكان المدن. فالحياة المدنية لها أسلوبها وتأثيراتها السلبية والإيجابية، كما أن الحياة في الأرياف أو القرى لها إيجابياتها وسلبياتها. فالحياة العصرية تفرض شروطا ونمطا من المعيشة يختلف عن الحياة القروية. لكن لا شك أن ما حصل لمجتمعنا كان تحولا إيجابيا على جميع الأصعدة بينما نجد دولا مجاورة لنا كنا نعتبرها أفضل منا في فترة من الزمن حصل لها العكس تماما، فقد زادت لديها نسبة الأمية وزاد معدل الفقر وضعف اقتصادها ودخل أفرادها خلال السنوات الماضية. هذه الدول بالفعل يحق لها أن تصف ماضيها بالزمن الجميل. لكن نحن في المملكة واقعنا أفضل من ماضينا، والأمل يحدونا في مستقبل أفضل في ظل وجود "رؤية 2030" التي تحدد معالم مستقبل مشرق لنا بمشيئة الله. نقلا عن الاقتصادية