1-"مشهد يتكرر كل عام بصورة فريدة تعاقبت عليه الأجيال قروناً عديدة، وأزمنة تلميدة، تلبية وطواف وسعي ورمي ووقوف ومبيت وعرصات قصدها أنبياء ورسل وخلفاء وملوك ورؤساء وعلماء وخلق من الناس لا يحصي عددهم إلا الله، كلهم يفدون إليه مشرئبين إلى ما عند الله من فضل استجابة لنداء إبراهيم الخليل لما أمره ربه: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)". 2-"إنها مكة وبكة والبيت الحرام الذي أسس للعبادة والتوحيد والطاعة (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا). لقد صدق الله ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، لقد صدق (فيه آيات بينات) نعم إنها آيات بينات لايمحوها طول الزمن ولاتقادم العهود، آيات بينات شاهدة بفضله وقداسته وشموخه الذي يطاول الزمان فيه مقام إبراهيم الذي رفع منه القواعد يناوله ولده إسماعيل عليهما السلام (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)". 3-"مقامه الذي به موطئه رطباً حافياً غير ناعل شاهداً على الهمة والإخلاص والصدق في الاستجابة لأمر ربه، فيه آيات بينات بارزة في السعي بين الصفا والمروة ليستشعر الناس ما بذلته هذه الأسرة الصغيرة المكونة من أم وطفلها في واد غير ذي زرع يودعها فيه زوجها فتقول له آلله أمرك بهذا فيقول نعم فتقول إذن لايضيعنا، إنه السعي شعار القوة والبذل والتوكل إنه الاعتماد على الله والتوكل عليه الذي غمر قلب هاجر عليها السلام ليكرمها الله بالزمزم يفيض بين رجلي ولدها الرضيع إنه الزمزم الماء المبارك، إنه طعام طعم وشفاء سقم، إنه الزمزم الذي لايغيض ولاينضب، الماء المعجزة الذي أدهش العلماء والخبراء، إنه الماء الذي قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم : "ماء زمزم لما شُرب له"". 4-"نعم حجاج بيت الله الحرام؛ إنه البيت الحرام الذي فيه آيات بينات، إنها آية البركة التي وهبها الله بيته العتيق، بركة في الأرض، وبركة في العيش، وبركة في الطعام والشراب، فقد جاء عند البخاري وغيره أن إبراهيم عليه السلام لما جاء إلى زوج إسماعيل عليه السلام سألها ما طعامكم قالت اللحم، قال فما شرابكم قالت الماء، قال: "اللهم بارك لهم في الماء واللحم، قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه" أي: لايخلو أحد فيقتصر على الماء واللحم في غير مكة إلا اشتكى بطنه"". 5-"حجاج بيت الله الحرام إن مكة التي حرمها الله شاهدة على تلكم الآيات البينات يستلهم المؤمنون منها عظمة خالقهم جل شأنه ثم قداسة هذا البيت العتيق الذي أودعه الله آيات بينات ليعتبر أولوا الأبصار، إنها آيات في المسجد وآيات في المشاعر والعرصات، يقبل الحاج إلى البيت ليكون أول ما يبدأ به الطواف وليكون أول ما يبدأ به من الطواف الحجر الأسود الذي جعله الله من آياته البينات في بيته الحرام، إنه الحجر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً"". 6-"إنه لآية شاهدة على نبي كريم نبي الحكمة والصدق والأمانة صلوات الله وسلامه عليه، نبي يجمع ولايفرق، يرحم ولايقسو، يصلح ولايفسد، فإن القبائل من قريش لما اجتمعت لبناء الكعبة وأخذت كل قبيلة تجمع على حدة فبنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه كل قبيلة تريد شرف رفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحالفوا وأعدوا للقتال، فقال أحد حكماء قريش: اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخبروه الخبر قال: "هلم إلي ثوباً فأتي به فأخذ الركن فوضعه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم رفعوه جميعاً حتى بلغوا به موضعه فوضعه هو صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ثم بنى عليه". 7-"إنه لآية بينة يمر طيفها على كل من شاهد الحجر أو استلمه أو قبله، آية نبي الرحمة، البشير النذير والسراج المنير صلوات الله وسلامه عليه الذي قال وهو الصادق المصدوق "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم". 8-"حجاج بيت الله الحرام: لقد حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً، هذه مكة أم القرى والبلد الأمين، جعل الله فيها هذا النسك، جامعاً فيه حرمة الزمان وحرمة المكان، وفي الحرمتين قوام الأمن المفرز السكينة والتواضع والتراحم، فزمن النسك وعرصاته يلفظان أي شعار غير شعار التوحيد لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وشعار التلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك، وما الحج إلا طواف وسعي ووقوف ومبيت ورمي وحلق أوتقصير". 9-"وإن من فضل الله على عباده أن هيأ لهذا البيت عبر الأزمان من يقومون بوفادة الحجاج فكانت قبائل العرب تتقاسم ذلكم، قوم بالسقاية وقوم بالاطعام وآخرون بالحماية فتعاقبت على ذلكم الأجيال والدول حتى هيأ الله لبيته بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية) راعية أمره وهي تشرف بخدمته مذللة ما من شأنه التسهيل على الحجيج في غدوهم ورواحهم ومراحهم، باذلة وسعها في التشييد والإعمار، يشهد به القاصي والداني، جعلها الله بلاداً آمنة مطمئنةً وسائر بلاد المسلمين". 10-"وإن لكم على هذه البلاد حجاج بيت الله الحرام الترحاب وبذل العون والأمن والراحة منذ قدومكم سالمين إلى رواحكم غانمين بإذن الله، وإن لها عليكم استشعار هيبة المشاعر والتزام الأناة والرفق والأنظمة والتعليمات التي تصب في مصلحة الحجيج وعدم الإخلال براحتهم وأذيتهم في نسكهم فلا مجال لمزايدات لشعارات لاصلة لها بالحج ولامجال لشرخ نسك العبادة بما ليس منها فقد كان أهل الجاهلية يقفون في المشاعر ويفتخرون بآبائهم وانتصاراتهم فأبطل الإسلام ذلك بقوله:( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق، ومن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)".