الرئيس المصري يصل إلى جدة لأداء مناسك الحج    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    سباليتي يطالب لاعبي منتخب إيطاليا بالتحلي بالشجاعة في يورو 2024    بلدية بيش تطلق مبادرة "حقيبة حاج" لخدمة حجاج المحافظة    مركز أداء يقيس رحلة أداء مناسك الحج    «مبادرة طريق مكة» تختتم أعمالها لموسم حج 1445ه في صالات (11) مطاراً في (7) دول    المملكة تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025 وتعزز مكانتها عالمياً    عسكر إسرائيل يطالبون بالتصدي ل«حزب الله»    الكشافة يساندون أطقم وزارة الصحة في مستشفيات المشاعر المقدسة    رونالدو.. أرقام قياسية عبر تاريخ اليورو    النصر يستهدف التعاقد مع فان دايك    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    «النقد الدولي»: سياسة السعودية الاقتصادية تدعم النمو غير النفطي    المملكة تشارك في المؤتمر الأوروبي لتقويم الأسنان    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    وزير الإعلام يتفقّد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    في كتب الرحلات    مواكب حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين تتجه إلى المشاعر المقدسة    النفط يتجه لأول مكسب أسبوعي خلال شهر    إلغاء تصاريح 150 حاجًا لم يستكملوا التحصينات    رقابة صحية ومباشرة ميدانية.. مكتب البيئة ينهي استعدادات عيد الاضحى في الخرج    حزب الإصلاح البريطاني يتفوق على المحافظين في استطلاع للرأي    بوتين يحذر من الفوضى ويضع شروطا للسلام مع أوكرانيا    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    أثينا تعتزم وضع حد أقصى لعدد السفن السياحية التي تزور الجزر اليونانية    مايكروسوفت تؤجل إطلاق خاصية "الاسترداد" بالذكاء الاصطناعي    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    القادسية يتحرك لضم حارس منتخب مصر    القصبي: 157 مليار ريال حجم المدفوعات الإلكترونية بالمملكة    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    100 ألف رأس ماشية استعدادًا للأضحى بالرياض    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    حزم وقوة    لجنة رباعية لضبط مخالفات نشاط المياه غير الصالحة في مكة    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    أول حالة إسعافية تُنقل من مهبط برج الساعة عبر الإسعاف الجوي لحاج أفريقي    مارتينيس: البرتغال جاهزة    الجبير: المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة ولديها مشاريع ضخمة تستهدف الحد من آثار التغير المناخي    خطط مرورية لنقل الحجاج لمشعر منى    جمعية قدرة لرعاية الأشخاص المعاقين بالرس تحجج 11 معاقاً ومعاقه    لم يكن الأفضل !    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    رئيس الأركان يتفقد قطاعات وزارة الدفاع المشاركة في الحج    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    العقيد الطلحي يتفقد مركز(911)    المملكة تعزي في ضحايا حريق «المنقف» في الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحول الديمقراطي وفكرة العدل
نشر في الشرق يوم 07 - 06 - 2013

التحول الديمقراطي في أواخر القرن الماضي المنصرم بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ورمزيته الكبرى التي تمثلت أيضا في سقوط جدار برلين هو السمة التي غلبت دول هذا المعسكر، فكان تحولها كما عبر عنها صامويل هانتنجتون بالموجة الثالثة للتحول الديمقراطي خياراً شعبياً لا رجعة عنه. وكان ينتظر من الدول العربية أن تكون سباقة للانخراط في هذه الموجة. لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، فأصبح الاعتقاد السائد في العالم عن مجتمعاتنا بأنها لا تملك القابلية في التحول الديمقراطي بسبب الإرث الذي طغى على تاريخها الطويل. وعندما جاء بما يسمى الربيع العربي تسابق المحللون بالتبشير بالموجة الرابعة للتحول الديمقراطي. لكن الدول الشيوعية في أثناء تبني شعوبها الخيار الديمقراطي لم يصاحبه عنف يفتك بكل قيم المجتمع، وينتج ثقافة الكراهية كما هو عليه الحال في مجتمعاتنا العربية. هذه المفارقة لا يمكن إرجاع أسبابها فقط إلى سياسة التآمر الخارجي، ولا إلى ثقافة التخوين المستشرية في الخطاب السياسي العربي. إنها إحدى النتائج الكبرى التي تتصل بثقافة العنف، وهي ثقافة تتدفق على الفرد والمجتمع من جميع الاتجاهات، خصوصاً تلك المرتبطة بمفاصل حياته: من النظام التربوي للأسرة، والتعليم، والعادات والتقاليد الاجتماعية، والنظام السياسي السائد. ضمن هذه الثقافة، الفرد العربي مسلوب الإرادة ممتلئ بالإحباط والكراهية ضد الغير، لا يملك تصوراً عن ثقافة الآخرين إلا باعتباره عدواً ينبغي القضاء عليه أو شيطنة صورته، يدعمه في تصوره ذلك نماذج من ماضي التاريخ الإسلامي، تحضر في حياته بقوة كقيم عليا يستمد منها معنى حياته، قيم مثل الجهاد، والاستشهاد، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتقديس العادات والتقاليد، فما حدث في العراق وليبيا واليمن ثم في سوريا ومصر الإخوان ليس سوى الدليل على طغيان ثقافة العنف على الحياة العربية بشتى صورها وأشكالها. ثقافة حقوق الإنسان وسيادة القانون وبناء المؤسسات المدنية والتنمية والديمقراطية والعلمانية هي التحدي الأكبر لمجتمعاتنا في القرن الحادي والعشرين، وهو تحد مضاعف، بسبب تأثيرات ثقافة العولمة التي تنتهك الحدود والقيم والخصوصيات، وتعيد إنتاج القيم الأخلاقية والدينية والسياسية وفق مصالح ثقافة السوق التي تهيمن عليها كبرى الدول والشركات. انحسار الجهل والفقر هما الشرطان المقدمان على كل مشروع يرصد البناء والتطور. هذا الانحسار هو تحد آخر كبير يتلازم مساره مع مسار ثقافة حقوق الإنسان.
وإذا كان الخيار الديمقراطي هو الخيار الذي اتفقت معظم شعوب العالم على تبنيه، فذلك لأنه خيار جاء بعد مشوار طويل، خصوصا في أوروبا، من الصراع على السلطة، كان أنموذج الدولة القومية هو المسيطر، وكانت الأحزاب السياسية الشمولية هي التي تدير كفة هذه الدولة. ولا داعي هنا في ذكر المرحلة التاريخية التي كانت فيها هذه الأحزاب تمارس الديمقراطية بفكر راديكالي يميني أو يساري. لكن الأهم هو أن الأنموذج الديمقراطي الأوروبي دائماً ما يصحح أنموذجه وفق التحولات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية التي تطال مجتمعاته، وبقوة النقد والمراجعة المدعوم بفكرة الحريات.
على سبيل المثال كان الإرث السياسي الأوروبي ينظر إلى الحياة بأنها قائمة على الصراع من أجل المصلحة. في العصر الحديث اختلف الأمر، وبسبب عوامل كثيرة من أهمها ما جرى بعد الحرب العالمية الثانية من صراع من أجل التحرر الوطني، وبروز مختلف الحركات الاجتماعية ذات البعد الحقوقي كحركة الزنوج والنساء، وما تبع ذلك بعد نهاية الحرب الباردة، من ظاهرة التحرر المرتبطة بالأقليات العرقية القومية والجنسية الثقافية، وما سرى أيضا في العالم العربي من كفاح ضد مظاهر الاستبداد والتسلط. كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من فكرة العدل، في ذلك الإرث، الذي تنهض فكرته على التوزيع العادل للخيرات فقط، إلى فكرة العدل القائم أيضا على الاعتراف بهوية الأقليات والاعتراف بثقافتها وبتاريخها الرمزي أيضا. لذلك لا نجد هنا مفهوم العدل يقتصر على الجانب النفعي، وإنما تعداه إلى الجانب الأخلاقي والرمزي المتمثل بسياسة الاعتراف. وقد تبع ذلك تغيرات أخرى، خصوصاً عند الفلاسفة الاجتماعيين، في النظر إلى بعض المفاهيم المتعلقة بالمجتمع وبوضعية الهويات داخلها. الفيلسوف جيل دلوز يرى أن الأغلبية والأقلية لا يمكن النظر إليهما من منظار العدد، «فالأقلية لا تعني دائما قلة العدد، هذا ما تؤكده حالة النساء والسود، فهي يمكن أن تكون أكبر من الأغلبية من حيث العدد، وبالتالي فإن الأقلية تعني وضعية من فرض عليه وضعية القاصر، الذي لا يستطيع أن يقود نفسه دون وصي أو موجه». لذلك المعيار الذي يحدد من هم الأكثرية إزاء الأقلية هو الأنموذج الذي يجب التماثل معه وتطبيقه، بالنسبة للأغلبية، بينما الأقلية لا أنموذج لها على الإطلاق.
إن هذا التحول يعكس حيوية المجال الذي تتداول فيه مثل هذه الأفكار، سواء على مستوى الخطاب اليومي، أو الخطابات القانونية والدستورية، أو الخطابات النقدية الثقافية، بحيث تنتظم جميعها في مفاهيم متجانسة تبدأ من مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تنتهي بفكرة العدل.
أخيراً حتى نشعر بالفرق الشاسع والمسافة الفاصلة بين هذا الحراك الحيوي في المجال الأوروبي، وما ينتجه من أفكار، رغم مساوئ الديمقراطية التي تطبق هناك في بعض جوانبها،إذْ نرى في وقت يدعو فيه بعض المفكرين الغربيين إلى تأسيس مواطنة عالمية لا ترتبط لا بالعرق أو القومية ولا بالدين أو بالمذهب، وإنما فقط بالإنسان بوصفه إنساناً يعيش على هذه الأرض. إدغار موران أحد هؤلاء الداعين إلى مثل هذا التأسيس. ناهيك عن بعض المفكرين اللاهوتيين من أصحاب الكنائس الداعين إلى وحدة الأديان والارتفاع بها عن كل الخلافات التاريخية التي أسست للحروب والهويات القاتلة على حد تعبير أمين معلوف. نجد في ذات الوقت أن هناك في البلاد العربية من يدعو إلى التطهير العرقي، والقتل على الهوية. والعنف ضد كل ما هو مختلف في العقيدة أو المذهب. هذا التباين في النظرة إلى الإنسان هو تحديداً تاريخ خروج الإنسان الغربي من سلطة الهويات الدينية الطائفية القاتلة، وانفتاحه على هويات أكثر رحابة وتقبلا للآخر مهما كانت مرجعيات هذا الآخر. بينما هو في المقابل تاريخ تكريس الإنسان العربي لسلطة الهويات ذاتها. وكأن الإنسان العربي يسير عكس ما ناضلت من أجله بقية شعوب العالم للتخلص من الإرث الدموي الذي خلفته الحروب الدينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.