طَلَبَتْ إدارة المتحف الحربي البريطاني «دوركينج» في مقاطعة «ساري» من الجيش أن يسارع الى أخذ قذائف مدفعية وعددها ثلاث من مخلفات الحرب العالمية الثانية موجودة لديها وتفجيرها في المكان الملائم. وكان المتحف يعرضها من ضمن مقتنياته على مدى السنوات العشرين الماضية من دون أن يعلم المشرفون بأنها غير منفجرة وأنها لا تزال صالحة وجاهزة للانفجار! كانت صدمة كبيرة لموظفي المتحف عندما تبيّنوا أنهم عرَّضوا حياة عشرات آلاف الزوّار للخطر الشديد بل للموت طوال تلك السنين. ولقد حَدَث ذلك على إثر شكوك بهذه القذائف أبداها أحد الزوّار العسكريين المتقاعدين للمتحف، فتمّ الكشف عليها واكتشاف «المصيبة»، بل الخطر الكامن والمتربّص بحياة الزوّار وبالمبنى نفسه! ومن منطلق أن الشيء بالشيء يذكر، فقد كثُرت في بلادنا العربية خلال العقدين الأخيرين عبارات مثل: «الخلايا النائمة» و«القنابل الموقوتة» و«العبوات المفخخة».. إلخ، حيث لم تقتصر هذه التسميات على الكتابة وإنما كانت دائماً فعلية ذهبت وتذهب بأرواح الناس وممتلكاتهم، هذا إلى جانب ما يعرف بالقنابل العنقودية «النائمة» التي زرعتها إسرائيل بالملايين على مساحات شاسعة من الأرض الجنوبية في لبنان، حيث أوقعت -وما زالت- توقع الضحايا من الأعمار كافة. وعندما نستعمل عبارة «قنبلة موقوتة» فإن هذا يعني أنه بوقت محدد ستنفجر هذه القنبلة، وكذلك عندما نستعمل عبارات مثل «رسالة ملغومة» و«مطالب مفخَّخة» أو فلان «فجَّر» خطاباً أو ألقى كلمة «نارية» أصابت «شظاياها» عديداً من الخصوم، أوعندما نقول: إن الخوض في هذه المسألة الخطيرة كمن يسير في «حقل ألغام». ولو أخذنا الوجه الثاني لتلك العبارات المتداولة نرى بأننا نقول أيضاً «انفجر فلان من الضحك»! وانطلاقاً من مبدأ ديناميكية اللغة ومواكبتها لمجريات الأمور فقد دخلت عليها العبارات التي تختزل رؤى الناس وأساليب وطرق ممارساتهم وتوصيفهم للقضايا والأحداث، وإسقاطاتهم للعبارات المنبثقة من واقع الحال. هذا الأمر الذي أصبح منذ مدة طويلة رائجاً ومألوفاً يدلّ على أن حياتنا مملوءة بأشياء خطرة. مدمّرة مستترة وقابلة للانفجار من دون معرفتنا -أحياناً- بوجودها أو بإهمالنا المزمن لوجودها أو استخفافنا بمدى خطورتها.. فهناك بعض الأخطار تبدأ من الصفر ثم تنمو وتكبر لتتحول إلى زلزال لا يُبقي ولا يَذَر… وكما أن هناك ما يسمى بالاستشعار عن بعد، فهناك أيضاً «التفجير عن بعد»! لقد أحببت دائماً -وما زلت- طعام ونكهة «المَنْسَفْ» بكل أنواعه، ولم أستوعب الصلة والاشتقاق اللغوي بين «المَنْسَفْ» والعبوة «الناسفة» والحزام «الناسف»! أيها القارئ العزيز: لقد أصبحت غالبية بلادنا «متحفاً غنياً يعرض القذائف والعبوات والألغام غير المنفجرة والجاهزة للانفجار، وكذلك مرتعاً آمناً للخلايا النائمة، والخلايا التي استيقظت من نومها واستعادت نشاطاتها «المدوّيَة». نتمنى على العقلاء المخلصين من أولي الأمر أن يمتلكوا «كاسحات ألغام» وأن يستعملوها وأن لا تكون معروضة -فقط- في المتاحف! وأن لا نظلم لغتنا ونجور عليها بالعبارات «الانشطارية» والمفخَّخة التي تنفجر يومياً عن قرب وعن بعد!