بصراحة عجزت عن فهم كيف نشتكي من خلل في التركيبة السكانية خليجياً ولدينا عشرات الآلاف من”البدون”! هؤلاء لم يهبطوا علينا من كواكب أخرى. كثيرهم عروقه ضاربة في أعماق الجزيرة العربية. لدي صديق ولد ونشأ في الخليج، ابتعث عسكرياً لدراسة هندسة الطيران، وحارب ضد “الغزاة” الذين احتلوا البلاد التي آمن أنها وطنه. يا لها من مفاجأة يوم عرفت أنه يحمل جواز سفر من تنزانيا. كويتي ومن قبائل الجزيرة العربية وضاقت به أرض أجداده – لأسباب لا يعرفها كلانا – ولم يجد حيلة للسفر والإقامة في دولة خليجية أخرى إلا بجواز سفر تنزانياً. إذا فهمنا تحفظ بعض المؤسسات على تجنيس بعض البدون لأسباب أمنية – بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا العذر – فكيف نفهم المماطلة الطويلة في ملفات عشرات الآلاف ممن ولدوا هم وقبلهم آباؤهم في الدولة التي تتلكؤ مؤسساتها في إغلاق ملف البدون؟ الغريب أن إجراءات تجنيس بعض القادمين حديثاً لبعض دول الخليج، من الهند وإيران وغيرهما، تبدو أسرع وأسهل بينما أبناء القبائل العربية معلقون في ملف التجنيس ولا يرون ضوءاً في آخر النفق. أعداد “البدون” في الخليج تتزايد مع بطء إجراءات التعاطي مع هذا الملف. مع تأخير حسم هذا الملف تزداد المعاناة والمخاطر. وفي ظل التحديات الراهنة والقادمة، من الأخطاء القاتلة أن تعيش داخل المجتمع مجموعات خارج دائرة المواطنة، في الحقوق والواجبات، أو فئات تشعر بالتهميش أو الغبن. ولو لم يوجد في الوطن سوى إنسان واحد يعامل كما لو كان مواطناً من درجة أقل لكان كافياً لقرع أجراس الخطر، خصوصاً في وقت تتواطأ فيه كل المصائب! فمتى يغلق ملف “البدون” نهائياً ويجرم من يستخدمه كأداة في لعبة سياسية أصبحت مملة وربما مدمرة؟