في مدارسنا وعندما كنا نتلقى التعليم في مراحله العامة وربما حتى الآن، كنا ضحية لمتناقضات الدين والأدب، فيأتينا معلم الدين في درس فتنة النساء مذكرا «ما خلا رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» وفي الحصة التي تليها يتغنى معلم البلاغة والأدب بجمال أبيات قيس وعذريتها ويتلهف على قيس ومعاناته: تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا وَيَومٍ كَظِلِّ الرُمحِ قَصَّرتُ ظِلَّه بِلَيلى فَلَهّاني وَما كُنتُ لاهِيا وفي صفحات أخرى من مادة الثقافة الإسلامية يأتي معلم المادة، ويذكر عقوبة المسرفين ويندد بالمتباهين وإخوان الشياطين ويستشهد بالقرآن الكريم في قوله تعالى «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» وبالأحاديث «إن الله يحب القصد في الغنى والفقر» «انفقوا في غير سرف ولا مخيلة» وبعدها يكون الدرس الآخر في الأدب عن حاتم الطائي وكرمه فيظل المعلم يمجد حاتما ويرى فيه رمزا عربيا فريدا مستشهدا بأنه كان يقري الثلاثة من أضيافه، الثلاثة من الإبل ينحر لكل واحد منهم جزورا، ويستطرد في ذكر مآثره: ذبحه فرسه من أجل ضيوفه عندما لم يجد شيئا من الإبل. لم يكن هناك أيّ رابط بين درس الأدب وبين درس الدين في التبذير والخيلاء من جهة والكرم الحاتمي من جهة أخرى، واللذان ليس بينهما فرق حتى الشعرة، ولم يتطرق ولن يجرؤ أي أديب بالبوح بأن ما فعل حاتم ما هو إلا ليذكره الناس وإن ذلك من باب التبذير والخيلاء المقيتين. أيضا لم يقل لنا معلم الأدب بأن قيسا عندما كان ينشد ليلى غزله العذب الجميل لم يكونا إلا مقترفين لخلوة شرعية، يستحقان استدعاءهما لأقرب مكتب هيئة لأخذ التعهد على قيس والستر على ليلى على أقل تقدير كإبراء للذمة.