أعلن رئيس الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي عن حركة سياسية جديدة تحت اسم حركة نداء تونس. وتأتي ولادة هذه الحركة في جو اضطرابات عامة تشهدها تونس على خلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية، كما تأتي تفعيلا لمبادرة الباجي قائد السبسي التي كان أعلن عنها في المنستير قبل ذلك. إن مبادرة السياسي البورقيبي كانت كما أرادها من أجل هدفين أساسيين، فمن ناحية أريد للمبادرة أن تكون وعاء يلم شمل العائلة الدستورية التي تشتتت إثر اندلاع الثورة وإسقاط بن علي وحل حزب التجمع الدستوري الديموقراطي. ومن ناحية أخرى كان السبسي يريد خلق نوع من التوازن السياسي الذي اختل بعد اكتساح الإسلاميين لصناديق الاقتراع و وصولهم إلى السلطة. والحقيقة أن الباجي قائد السبسي ومعه ثلة من رجال السياسة والدولة والفكر نجح إلى حد ما في اصطياد أخطاء الحكومة وحشد رأي عام يكون بمثابة الأرضية التي سيقام عليها التوازن السياسي المنشود. وهكذا فإن توقيت الإعلان عن ميلاد حركة نداء تونس لا يمكن أن يكون مصادفة، فالبلاد تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية ومظاهر الاضطرابات والعنف في ازدياد في الوقت الذي تتحضر تونس لموسم سياحي يوفر لقمة العيش لخمس التونسيين. وكثف السبسي قبل الإعلان عن حزبه في تحركاته ولعب على نفس الدوائر التي لعبت عليها حركة النهضة للوصول إلى سدة الحكم . فصورة السبسي مجتمعا مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني لا يمكن أن تكون خارج السياق العام لحركة السياسة في العالم عموما وفي تونس خاصة. ومحادثاته مع ساسة الدول الأوروبية ورجالها النافذين، كل هذا كان يجري وحركة النهضة تراقب بقلق تحركات غريمها المحنك. وفي إطار ردود الأفعال حول الإعلان عن حركة نداء تونس أكد أحمد إبراهيم ل«الشرق» أن مبادرة السبسي يمكن أن تكون مقدمة لتشكيل جبهة ديمقراطية لها وزنها في المشهد السياسي لتنجح في جمع شمل الأحزاب في وقت حساس على أمل تجاوز حالة التشتت والتشظي وتحقيق الأهداف المرسومة في التداول على السلطة. ومن جانبه أكد القيادي بحركة الوطنين الديموقراطيين شكري بلعيد ل«الشرق» أنه لا يرى في مبادرة السبسي أكثر من دلالة تشكيل حزب جديد. في ما أكد القيادي في الحركة الجديدة محمد لزهر العكرمي ل«الشرق» أن «حركة نداء تونس» التي أعلن عن تأسيسها رئيس الوزراء السابق السبسي، أن الحركة تستهدف الثلاثة ملايين تونسي الّذين امتنعوا عن التصويت يوم 23 أكتوبر 2011 في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. ونفى محمد لزهر العكرمي ل«الشرق» ما يتم تداوله في وسائل الإعلام أن حركة نداء تونس أُسست لمواجهة حركة النهضة، واعتبر النهضة حقيقة ملموسة وشريكا فعليا في الساحة السياسية وليست عدوا، وقال شعارنا «شركاء في الوطن». أما الوزير السابق في عهد بن علي الطيب البكوش فقال: إن الاعتزاز بالانتماء إلى هذا الوطن مهتز لدى البعض. واعتبر البكوش أن ذلك يعود إلى وجود أطراف بعينها لا تتشرف بالعلم التونسي وبالنشيد الوطني وتعتمد شعارات أخرى ولباس آخر لا علاقة له بتونس. وافترض في هذا الوضع تضافر الجهود من أجل تغيير المشهد السياسي العام في البلاد. وفي ذات السياق أكد البكوش أن الشعارات التي يرفعها السلفيون وخطاباتهم مخالفة تماما لقيم الإسلام ولما ورد في القرآن مشيرا إلى أن أغلبهم ليسوا بالسلفيين بل يمارسون أفعالا إجرامية ولا يعرفون الإسلام ويمارسون عكسه. وأوضح عضو المكتب السياسي فوزي عبدالرحمن أن الحزب الجمهوري يرحب بكل المبادرات وسيتعامل مع «نداء تونس» كأي حزب سياسي آخر، وقال ل«الشرق»: لنا معه نقاط التقاء كما أن لنا معه نقاط اختلاف .. أما عن عملية الانصهار بين الحزبين فتلك مسألة غير مطروحة في الوقت الحالي. وعمّا يروج حول تأثير الاستقالات من الحزب الجمهوري على تماسك الكتلة التقدمية داخل التأسيسي أكد عبدالرحمن «ليس هناك أي مشروع انقسام داخل الكتلة». ويذكر أن حفل الإعلان عن تأسيس حركة نداء تونس شهد حضورا مكثفا للقوى الوسطية من دستوريين وتجمعيين وقوى ديموقراطية وعديد من الشخصيات على غرار محمد الناصر وأحمد إبراهيم وخميس كسيلة وكمال مرجان و سعيد العايدي ولزهر العكرمي ومصطفى الفيلالي ومنجي اللوز ورجل الأعمال المعروف المقيم في ألمانيا عبدالرؤوف الخماسي…ووجّه خلاله رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي عديدا من الرسائل لعل أبرزها «من يريد إنجاح باقي المراحل الانتقالية في بلادنا عليه أن يحسن تحقيق التوازن بين شرعية صندوق الانتخابات وشرعية الوفاق وإلا فإنه سيخرج عن السياق وسيخلق من المشاكل ما يفوق قدرته على خلق الحلول» و «نقدنا للحكومة عمل عادي وطبيعي ومؤسف أن يعتبره البعض تعديا على الشرعية» و»لا يجب أن تمشي تونس على ساق واحدة كما لا يجب أن نسمح بأن تكون الحياة السياسية في تونس موضوع احتكار.