ستبقى حساسية التطرق لمواضيع المرأة في المجتمع السعودي حاضرة في كل مشهد ثقافي أو اجتماعي، فما زال لدى بعضهم إشكالية في ماهية المرأة السعودية؛ هل هي إنسان كامل الأهلية وذو صفة اعتبارية شرعاً وقانوناً؟! أم إنها مازالت تحتاج للوصاية من وليها الرجل الذي يقوم بتعريفها والموافقة على تحديد مصيرها حتى لو كانت أستاذة جامعية أو عضوة مجلس شورى، أو استشارية في الطب، أو حتى لو كانت عميدة كلية أو وكيلة جامعة، ومازال لدى بعضهم متلازمة (قلب المفاهيم) وعدم الاستعداد لفهم واستيعاب مقاصد المطالبات النسائية بمسألة (الولاية)، وربطها بمسألة (القوامة)، مع أن الأمرين مختلفان تماماً. في لقاء قناة أوروبية مع د. عزيزة اليوسف أوضحت أن المطالبات هي لتعديل قوانين وأنظمة أثرت على بعض النساء ممن لم يحظين بولي أمر متفهم، وهي لا تتعارض مع الدين؛ مثل الموافقة على العمل والدراسة، وإجراء العمليات الجراحية، واستلام السجينة عند خروجها، والإذن بالسفر وحرية التنقل وحرية السكن. فإذا ما اعتبرنا أن المرأة كاملة الأهلية فحتماً فإنها مسؤولة شرعاً وقانونا عن ذاتها، لذا فمن باب أولى أن تعطى تلك الحقوق التي تضمن لها كرامتها وتحقق شخصيتها، وتجعل منها شخصاً فاعلاً في الحياة، وفي اللقاء أوضحت د. عزيزة أن تلك المطالب قد تكون لفئة محدودة ممن لم يوفقن بأسر متزنة، وهنا أخالفها الرأي بأن النظام يفترض به أن يكفل حقوقها المدنية ولا يجعل ذلك بيد أي شخص آخر مهما كانت قرابته وعلاقته بها، وأن تحظى بثقة النظام وثقة المجتمع كونها مسؤولة عن نفسها وعن اتخاذ قراراتها. تاهت حقوق المرأة السعودية بين التاريخ الاجتماعي للعادات والتقاليد، والانغلاق الفقهي على أحكام ظنية اعتمدت على آراء واجتهادات، وبين شرعنة العادات وتدليس المفاهيم، والتعظيم من أوهام سوء النية وتوقع الفتنة، وأمام هذا كله نحتاج الصوت الرسمي بما يملكه من سلطة قانونية في وضع قوانين تحد من التناحر والتصارع، وتفرض سيطرة السلم والأمن الاجتماعي عبر تشريعات واضحة تحقق العدل والإنصاف، والمساواة العادلة ليست طلب العاجز لتقييد حق من يملك القوة والسلطة؛ بل هي فضيلة يدعو إليها أهل البصيرة النافذة حتى يحفظوا للمجتمع قوته ووحدته، ومن الإنصاف أن نضع سعادة الآخرين في اعتبارنا ونحن نطلب سعادتنا، وألا ننسى حقوق الآخرين علينا ونحن نطلب حقوقنا.