يُغبطُ أهل الخفجي على شاطئهم الجميل الذي يعده بعضُ من ارتادوا شواطئ عالمية أنه من أنظفها وأفضلها، لقد التهمت الصناديق الإسمنتية في الأربعين سنة الماضية جزءًا جميلًا منه فحالت دونه، ولم تتدخل المجالس البلدية المتعاقبة ولا رؤساء البلدية المتخصصون في السنوات العشرين الأخيرة. هذا الشاطئ الجميل ذو المياه الصافية الزرقاء لا يستطيع الخفجاويون التمتع بجولة ولو لساعة واحدة بقارب حديث أو قديم، كما لم تستثمر البلدية ومجلسها البلدي ما حبا الله به الخفجي من تكوين جغرافي يتمثل في خورها الطبيعي الرائع، الذي طالبت قبل سنتين بحمايته في مقال بعنوان: من سيحمي خور الخفجي؟ ظن الناس أثناء الحملة الانتخابية لمرشحي المجلس البلدي أنهم سيجعلون من الخفجي مدينة عالمية، لكن سرعان ما خفتت تلك الأصوات القوية، ولم يعد يسمع لها همس. ينشأ عبر الزمن في كل مدينة نشاط يرتبط بطبيعتها الجغرافية فمدن تشتهر بالزراعة، وأخرى بالصناعة أو السياحة، ولكن الغريب أن تكون في مدينة ساحلية، ولا يكون لأهلها فرصة في الصيد حتى لو على سبيل الهواية لا الاحتراف. يعرف المسؤولون المعنيون في الخفجي أنهم السبب الرئيس في منع نشاط الصيد والتوسع فيه بما يضعونه من إجراءات معقدة أحبطت الهواة حتى عزف كثير منهم مرغمًا رغم أن المختصين يثبتون بالدليل أن أفضل أنواع الأسماك تتوفر في المياه الإقليمية للخفجي بكميات كبيرة. في الأسبوع الماضي قال وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني: «الإجراءات البيروقراطية الحكومية عقبة أمام تنمية القطاع غير الربحي..»، وليسمح معاليه بأن أقول: إن البيروقراطية الحكومية تعيق حتى القطاع الربحي، وإن بعض صناع البيروقراطية يرهقهم هاجس المسؤولية فيعمدون إلى تعطيل أي مشروع، وإن الممارسات البيروقراطية هي التي تعطل التنمية، وتعيق الاستثمار في المدن، وتنفر الراغبين في إقامة مشاريع صغيرة أو متوسطة بكثرة ما تضعه من عقبات كأداء وإجراءات تعجيزية أمامهم. توجد موانئ خاصة للصيادين في كل المدن الساحلية أو يخصص لهم جزء من الميناء العام ترسو فيه قواربهم وسفنهم المختلفة، وينطلقون منه للصيد، ويلتزمون بما تفرضه عليهم أنظمة الإبحار من قبل الجهات المختصة، وقد لا يصدق من هو خارج الخفجي الساحلية أنها مدينة بلا مرسى «ميناء». لعل أول أحلام زائري الخفجي أن يتوجهوا إلى البحر، ويظفروا بجولة على مياهه الصافية بقارب حديث أو خشبي أو يتناولوا وجبة بحرية على الشاطئ من أسماك اصطادها شاب مكافح يسعى لتوفير عيش كريم لأسرته. يعاني هواة الصيد الذين يستخدمون ميناء عمليات الخفجي المشتركة – بحسب قول عدد كبير منهم – من صعوبة عملية إدخال قواربهم إلى الميناء من أجل الإبحار وهي عملية شاقة، وإخراجها منه عند عودتهم – وهم متعبون – بسبب عدم استيعاب الميناء لها، وإعاقتها للأعمال اليومية للشركات في الميناء، كما يقولون إنهم يعانون من إجراءات إخراجها من منطقة العمليات المشتركة للصيانة وإعادتها مرة أخرى. إن وجود ميناء صغير للخفجي أو وجود مرسى صغير سيفتح المجال لأبناء المدينة للاستفادة من الثروة السمكية، ويمكنهم من إقامة مشاريع خاصة بهم في عمليات الصيد أو فتح المجال لإنشاء المطاعم المتخصصة بالأسماك…. وربما يساهمون في سد حاجة المحافظة والمحافظات المجاورة لها، وقد تنشأ شركات متخصصة أو تفتح بعض الشركات العاملة فروعًا لها إذا ما توفرت البيئة الحاضنة، كما أن الميناء أو المرسى ستنشأ عليه مشاريع للترفيه تتمكن من خلالها الأسر من ارتياد البحر والاستمتاع بجولات بحرية، ويساهم في تنمية المدينة سياحيًا واقتصاديًا. في بعض المدن الساحلية أسس الصيادون وهواة الصيد جمعيات تعاونية لصيد الأسماك، منها جمعية متميزة في جازان، وقد رأيت الصيادين المحليين في جزيرة فرسان يمارسون نشاط الصيد بقواربهم الحديثة والخشبية من مرسى خاص بهم خارج الميناء العام، وهو عمل يعود عليهم بموارد مالية جيدة. استثمر الكويتيون جانبًا من مجمع الكوت التجاري في مدينة الفحيحيل مرسى للقوارب، فأضفوا على المكان جمالا أخاذًا عدا الفوائد الكبيرة التي وفرها لهواة الصيد وعشاق البحر. تتكرر في كل عام – منذ سنوات – بشائر ووعود بتهيئة مرسى لرسو وانطلاق القوارب المختلفة على شاطئ الخفجي، لكن سرعان ما تتلاشى، وأعلم يقينًا عن جهود جادة ومخلصة بذلها سعادة محافظ الخفجي؛ لتحقيق هذا المشروع الرائد، لكن يبدو أن المشروع اصطدم فجأة بصخور البيروقراطية التي تحدثُ ضررًا في مسيرة العمل الإداري وتعطله، كما تُحدث الصخورُ في قاع البحر أضرارًا جسيمة بالسفن عند الاصطدام بها. وقفة: من المفارقات الصعبة أن تسكن في مدينة ساحلية بلا مرسى؟