نستمع ملياً إلى كوكبةٍ من الوعّاظ إذا ما أثير الحديث عن بر الأبناء بوالديهم وعن الحقوق واجبة النفاذ من أولئك تجاه هؤلاء، مستلهمين عبارات التوجيه والإرشاد من النصوص المقدسة التي أكدت فرضية برهما بالفعل الماضي (وقضى..) مباشرة بعد الوحدانية، وجُلَّ العمل على نيل رضاهما لِمَ في ذلك من الخير والسعة وراحة الضمير والرخاء والدعة، ومن ثم يردف الواعظ الكريم في سرد القصص عن القدامى والمحدثين ترغيباً في برهما وترهيباً في عصيانهما، وإن كان ذلك بمجرد التلويح ضجراً أو التصريح تفوهاً بأُفٍ في حضرتهما وهذا الحديث أبداً لا خلاف عليه. وإنما الجدير أن نضعه موضع البحث والمراجعة والدرس والمطالعة هو – بر الوالدين بأبنائهم – وهذا يستلزم كثيراً من الحقوق على الوالدين تجاه بنيهم نسطر منها: الحق الأول في برهم منبثق من القول الكريم تخيّروا لنطفكم فإن العرق دسّاس وهو ما يؤثر قطعاً في العامل الوراثي بالغ التأثير من الجينات التي يترتب عليها كثيراً في نواحي القوة الجسمانية والعقلية والسلوك والتوجّه. الحق الثاني في اختيارك لهم أسماءً لائقة لا ينفروا منها إذا كبروا بين رفاقهم وكما يتواتر عن الأثر أن الشخص يكون له نصيب من اسمه متأثراً منه ومؤثرا به . جاء رجل إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر أمير المؤمنين الولد ، وأنّبه على عقوقه لأبيه، و نسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ تجاه أبيه ؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال: أن ينتقي أمَّه، ويحسن اسمَه، و يعلمه الكتاب أي القرآن – . قال الولد: يا أمير المؤمنين، إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أمّا أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعَلُ وهو اسم لحيوان كالخنفساء أو بالأحرى – الأسود الذميم – بين الناس ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل و قال له: جئت إليّ تشكو عقوق ابنك و قد عققته قبل أن يعقُك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. الحق الثالث هو حُسن الرعاية والتوجيه وتوفير متطلبات الحياة لهم في غير إسراف أو تقطير من مصدر مشروع بأن تأخذ المال من حِله وأن تضعه في محله وأن تعتني بهم أيما اعتناء، وأن تُعوِّدهم على فعل الخير صباح مساء وألا تكون ممن قيل فيهم – كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول – وعلينا أن نقرر من خلال ذلك أن التربية ليست طعاماً وشراباً ولباساً فحسب، إنما هي بناء كيان بشري في المقام الأول روحاً وفكراً قلباً ووجداناً شعوراً وضميراً يقظاً، يحمل عصا التأديب ووسائل التأنيب لصاحبه إذا همّ بارتكاب الخطيئة. الحق الرابع هو دائماً وأبداً إعطاء مساحة من النقاش والمصارحة وحرية التعبير وإبداء الرأي والتقبل منهم بسعة صدر ورحابة أفق، ويكون القبول أو الرفض لِمَ يبدونه من خلال التحاور معهم بشكل حضاري غير تعسفي. و مما يذكر في كتب السِّيَر: أن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه غضب على ابنه يزيد ذات مرة ، فأرسل إلى التابعي الجليل الأحنف بن قيس ليسأله عن رأيه في البنين، فقال: هم ثمارُ قلوبنا، وعمادُ ظهورنا، و نحن لهم أرضٌ ذليلة، و سماءٌ ظليلة، فإن طلبوا فاعطهم، و إن غضبوا فأرضهم، فإنهم يمنحونك ودَّهم، و يحبونك جهدهم، و لا تكن عليهم ثقيلاً فيملّوا حياتك، و يتمنوا وفاتك. الحق الخامس على الوالدين أن يراعوا مشاعر أبنائهم بألا يتسببوا في إحراجهم وألا يسفهوا من أحلامهم أو يحطوا من أحاديثهم، وألا ينتهج الوالدان سلوكاً يخجل الأبناء منه يوماً ما فيعايرهم به الحمقى من الخلق وهم كُثّر مع الأسف الشديد هذا للوالدين بصفة عامة أما بالنسبة للأم بصفة خاصة فهناك أمر إن آتته ولو كان مشروعاً قد يكون للأبناء مخزياً ومؤلماً ومؤذياً لمشاعرهم وهو حينما تتخلى الأم عن أمومتها فتتزوج وتضرب بمشاعر فلذات أكبادها المدّعاة عرض الحائط وترميهم إلى الآلام والأوجاع بشتى الأصناف والأشكال التي تزهق الأرواح وتقطع نياط القلوب دون أن تراعي لهم شعوراً وهي بذلك تبحث عن حقها في الحياة وتنكر عليهم حقوقهم عليها ومن هذا المنطلق علينا أن نُقر بهذا الواقع المرير الواقع بالتسلط المُغير على حقوق الأبناء المفروضة على والديهم تجاههم . فيَأيها الآباء والأمهات الكرام عليكم بأداء الواجبات المقررة عليكم قبل البحث عن الحقوق المشروعة لكم حتى يتم التوازن العادل بين الحقوق والواجبات.