لا يمكن عزل مدلول الشك عن محيط الجملة والدلالة فيا ترى من أين ينبع الشك ومتى؟! إن العقل ليرتاب فيمارس الفؤاد الشك في أمر يناقض الحقائق المرئية المطلقة. فالشك العلمي هو: ممارسة التشكيك في صحة ادعاءات بمنهجية التجريب لتنظير قاعدة معرفية، وفي مجال العلم يعمد المفكر أن يوقع المتعلم في التشكيك حتى يدفعه للبحث عن الحقيقة المراد اكتشافها، وتلك درجة مطلوبة، وضرورية للوصول للحتمية العلمية ما بين الخطأ أوالصواب، أما في مجال المعاملات فلا يناقض الشك الثقة، إذ إن التدقيق والمراجعات من الأساسيات التي تساهم في إنجاح العمل. ومن الطريف معنى المثل الدارج (الشك ممنوع، والزعل مرفوع) أي البيع بالأجل، أما شكة الإبرة والدبوس فمعناها غرزها في الجلد واشتكت الأجزاء انضمت لبعضها. ونحن في مجال العلاقات الإنسانية هناك من لا يصدق الأقوال فيشكك فيها، ويرتاب منها، وهذا يؤدي لضعف التواصل لعدم وجود الثقة التي هي منبع المحبة، أما الذين يمارسونه كأحد المشاعر الإنسانية المخصوصة وقعوا في المنتصف بين التصديق والتكذيب لعدم وجود دليل مادي يخولهم لاختيار أحد البديلين، إن الشك والريب محلهما الفؤاد، والغيرة محلها القلب لذا تتسم بالتهيج والغضب، وهي شعور محمود طبيعي إن لمسنا ممن نحب اهتماما بغيرنا يفوق الحد المعتاد، فطبيعي أن يصدر منا ما يبين عدم رضانا لأن حبنا لهم يجعلنا نعتقد أنهم لنا ملكنا وحدنا. أما الغيرة المذمومة المنوطة بالشك المرضي، والوسوسة ،وتوهم حدوث ما ليس موجودا. وأهل الريب من المتصوفين: هم المشككون المبتدعون للأحكام التي لم ترد في الدين ومعناه اضطراب النفس الذي كان سببه الشك وعدم الاستقرار. لذا استعمل القرآن لفظة «الريب» منفية لعدم وجود الشك «ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين». فإن أفضى بك الشك للمعرفة والبحث عن الحقيقة فقد أفلحت، وإن انتهى بك للوسوسة وتوهم أشياء ليست صحيحة، فهو تلك الغيرة المذمومة أو الانحراف العقلي والضلال.