الإنسان بما أنه جزء مهم في بناء المجتمع، يُشكل نمط تفكيره وطريقة تعاطيه مع القضايا المختلفة مقياساً مهماً من مقاييس تقدم المجتمع أو تخلفه، تقسيم الإنسان إلى سلبي وإيجابي هو تقسيم يُفرز لنا شريحة سلبية تبذل جهوداً مضنية – بقصدٍ أو بدون قصد – في تثبيت أي واقع سيئ وتبرير استمراره، وكلما استطاع المجتمع بمؤسساته المختلفة تقليص هذه الشريحة كلما كان يوماً بعد يوم أقرب للتنمية الحقيقية والسير في الاتجاه الصحيح، السبب هو أنَّ هذه الشريحة تقف موقف العداء من أي مشروع تصحيحي أو تنموي بحجة أنَّ مصيره الفشل وأنَّها تملك من البصيرة ما يجعلها متأكدة من ذلك، ولكنها حين النجاح تصفق وتؤكد أنَّ تجاوز سلسلة المصاعب والمثبطات هو نجاح عظيم يستحق الثناء، فيما الحقيقة أنَّ أهم عائق واجهه هذا الناجح هو: (هي)، حينما كانت سلبية تماماً وتكرر على مسمعه يوماً بعد يوم سلسلة مثبطاتها وتشاؤماتها. هناك سلسلة طويلة من السلوكيات التي تكشف لنا حقيقة الإنسان وانتماءه لأي من القسمين السابقين، فالإنسان الإيجابي حينما يتعرض لمشكلة ينصرف ذهنه مباشرة إلى التفكير في الحل، بينما ينشغل الإنسان السلبي في تبرير المشكلة دون أن يفكر ولو للحظة واحدة في تجاوزها، فالإنسان الإيجابي هو في حقيقته نبع من الأفكار الخلاَّقة، بينما السلبي هو نبع وسيل عارم من الأعذار، يبحث الإنسان الإيجابي بشكل مضنٍ عن الحلول لأي مشكلة من حوله، فيما يتفرغ السلبي للبحث عن مشكلات في تلك الحلول التي يضعها غيره، فالإنسان الإيجابي هو عنصر مليء بالتفاؤل وبالرغبة في تصحيح أي واقع متخلف من حوله، فيما العكس تماماً لدى السلبي الذي يملؤه التشاؤم فلا يرى هنالك من حل لأي واقع متخلف، الواقع المتخلف كما يراه هو ما استطاعت ترسيخه في المجتمع قوى نافذة وكبيرة، وبالنتيجة فهي وحدها من يستطيع التغيير الإيجابي، فيما يعتقد الإنسان الإيجابي أنَّه هو كفرد وبمعزل عن أفراد المجتمع يستطيع أن يُسهم في تغيير واقع المجتمع وبالنتيجة يبذل دائما مساعيه في هذا الاتجاه دون أن ينتظر أحداً ليشاركه في ذلك. السلبية كمرض تصبح أكثر خطورة حينما يجهل الإنسان بأنَّه مصاب بها، فالجهل المركب هو ما يجعله يعتقد أنَّه يُحسن صنعاً حينما ينشر سلسلة مثبطاته؛ لذا ينبغي على كل إنسان أن يعرف حقيقة نفسه جيداً ليبدأ في علاجها إن كان بالفعل كذلك، في هذا السياق تُطرح حلول كثيرة لمشكلة السلبية من أهمها ضرورة إعادة ترتيب الأفكار بحيث تُستبدل كل نظرة سلبية وتشاؤمية لأي واقع متخلف إلى نظرة إيجابية شغوفة بالتطوير، ينبغي على الإنسان أن لا يسمح بسيطرة اليأس عليه وأن يتفائل ويتأكد من أنَّه قادر على الإسهام في ذلك وإن كان فرداً وحيداً، البناء في حقيقته ككرة الثلج التي تبدأ أولاً صغيرة ثم تتدحرج يوماً بعد يوم حتى تكتسح ما حولها، الإيجابي هو تماماً ككرة الثلج؛ حيث سيشاركه فيها يوماً بعد آخر أشخاص جدد ليشكلوا عاجلاً أم آجلاً البنية الأهم في بناء المجتمع المتقدم، لا ينبغي أن ييأس الإنسان من التطوير؛ لأنَّه حتماً سينجح في ذلك ولو بعد حين، أو أنَّه سيضع بذرة سيتعهدها غيره بالعناية حتى تتحقق الأمنيات قريباً بيده -إن سمحت الظروف- أو بيد غيره.