أسعدني لقاء الأستاذة والزميلة دلال الدوسري لاحتساء القهوة المرة، والحديث على رؤوس الأشهاد عن تجربتها الثرية والقاسية في مجال عملها الإنساني التنموي النادر، حيث المسؤولية الاجتماعية، وما يندرج تحتها وما ينتج عنها، وللعلم فهي من رواد هذا التخصص في المنطقة العربية مثل غيرها من الرواد الذين لا نملُّ الحديث إليهم، أو عنهم، وعلى قدر السعادة باللقاء إلا أن الألم لم يجاوز تلك الطاولة المستديرة، وهي تتحدث عن قدر المشقة التي تعانيها في المملكة، وذلك الأمل الذي حداها للبحث عن ذاتها، وحلمها خارج المملكة العربية السعودية، ولو أن محطتها التالية ليست ببعيدة، وكذلك كانت محطتي التالية بعد لقاء دلال الدوسري، حيث ذهبت مباشرة إلى لقاء اثنين من الأصدقاء الأفاضل: الأستاذ سعدون السعدون، والأستاذ ياسر الزومان، حيث استقبلاني في ممر ضيق يحوي كثيراً من أدوات القياس والمختبرات العلمية ليجلساني أمام حائط، جعلوا عليه خارطة ذهنية على شكل شعار المملكة، ومنها تتفرع خرائط طرق نحو «الرؤية 2030»، وبينما كان سعدون يتحدث عن الحلم والأمنية والآمال، كنت أشاهد تلك الخرائط وفي فمي قهوة مرَّة، ثم بدأت ذهنياً في استعراض أرشيف الأصدقاء الذين يشابهون شخصية سعدون، ودلال، وياسر، فلم أدرك آخر القائمة، وعلى قدر سعادتي بطول القائمة لكن لم يصل أحد من هؤلاء الأنقياء والمبدعين إلى ما يستحقه من مكانة ومنصب، وحالة اجتماعية أو مادية، تتناسب مع عطائهم الدائم ، ذلك لأن مثل هؤلاء يعملون من أجل العمل، من أجل الإنجاز، من أجل الحقيقة، لا من أجل الشكليات الزائفة والوهمية التي يتربع أصحابها فوق ما لا يستحقونه. هؤلاء هم السابقون السابقون، ولأننا لم نستطيع اللحاق بركبهم فقد اكتفينا بتخلفنا، وهم يحملون على أكتافهم أحلامهم إلى خارج الوطن، والكون بأكمله. عدت إلى منزلي وصنعت لنفسي قهوة مرَّة ثالثة، وأنا استمع إلى صوت جميل يردد: فيَا للهِ كمْ كثُرَتْ جِراحي وضاقَ بفسحةِ العَليا مداهُ.