ما أقسى هذا الوصفَ في مجتمعنا العربيِّ، على العكس من تقبُّلِه لدى الغرب! ومع أنَّ أحداً في هذا العالمِ لا يخلو من عَرَضٍ منه، إلا أننا ننظر إليه كَعَيْبٍ شخصي يَنالُ بهِ أحدٌ من آخرَ، ولو لمجردِ اختلافٍ في الرأي بينهما! فضلاً عن أنَّ بعض المسلسلات العربية، ساهمت في جعل المريض النفسي مَدعاةً للسخريَّة والتندُّر. لاحظتُ خلال عملي مديراً لأحد المستشفيات النفسيَّة، جملةً من الممارسات الخاطئة، منها: أنَّ بعض الأُسر تتحرَّج من وجود مريض نفسي بين أفرادها، فتودِعُه المستشفى، ولا تحْرصْ حتى على زيارته، وقد ترفض تسلُّمَه بعد علاجه، وإنْ تسلَّمتْه؛ فإنها لا تهتمُّ بإعطائه الدواء؛ مما يتسبب في انتكاسته، والرجوع به إلى المصحة. كما لاحظت: أنه عندما يُصرَف للمريض عَقَّارٌ مُهدئٌ؛ فإن بعض أفراد أسرته الأصحاء يقومون بتناوله؛ فيُدمنون عليه، وما إنْ يشتدُّ إدمانُهم؛ حتى يصبحوا هُمْ في حاجة إلى مراجعة المستشفى بدلاً عن مريضهم. ولاحظتُ أيضاً: أنه على النقيض من الخجل من المرض النفسي، إلا أنَّ بعض الأسر تستميت في إلصاقه بأيٍّ من أبنائها لتُخلِّصَه من عقابٍ شرعي لجُرْمٍ جنائي ارتكبه، ومما يُؤْسَف له أنْ تلعب الوساطاتُ الاجتماعيةُ دوراً في تحويلِ المجرم إلى مريضٍ نفسي. وهنا، أود التنبيه إلى أمْرٍ مُهِمٍّ، حيث يخلِط بعض أفراد المجتمع بين الأمراض النفسيَّة، والأمراض العقلية، علماً بأن ما ينطبق على المريض النفسي، لا ينطبق على المريض العقلي، ولا ينسحب عليه؛ إذ إنَّ المريض العقلي تسقط عنه التكاليف الشرعية، بينما لا تسقط عن المريض النفسي، وهذا يحتاج إلى توضيح، قد نتناوله في مقال آخر لأهميته في تطبيق الأحكام الجنائية، وعلى رأسها القتل. يقول قارئ «الشرق» الأديب أحمد عسيري: كم في السلامةِ والأخطارِ مِنْ عِبَر!