لعله من المناسب القول ونحن نعيش إرهاصات نقلة نوعية لاقتصاد ومقدرات الوطن، وهي بحق خارطة ترسم ملامح الخطوط العريضة لتنمية مستدامة. لكن علينا الاعتراف أن ثمة عراقيل ومثبطات قد تعيق هذا المنحى الاستراتيجي، وأخطرها على الإطلاق المحسوبية بوصفها «الرحم» الذي تتوالد منه وتتكاثر كل المفاسد بتضاعيفها، فمن السذاجة اختزال المحسوبية على أنها محاباة وتفضيل موظف على آخر فحسب. فالرشوة مثلاً الأرجح لا يقترفها الموظف دون تواطؤ مديره أو بإيعاز منه أو تعاميه وفي أحسن الأحوال «تقاعسه».. والمدير لا يجرؤ على تجرع وابتلاع الرشوة وحده ولا بد من غطاء من بعض موظفيه المحسوبين عليه والموعودين بتقاسم الكعكة مع مديرهم! ونفس الشيء ينسحب على الاختلاسات بألوانها، فأغلب المفاسد لا تمارس بالتفرد، فالمحسوبية هي «السّير المتحرك» الذي تمرر عليه جُل المفاسد المالية والإدارية… ولْنعرِّج على الجانب النفسي؛ بالتأكيد الغبن والتعسف والشخصنة وغيرها نتيجة المحسوبية لها وقعها النفسي العميق على الموظف حين يرى زميله المتسيب ترقى واستحوذ على الحوافز بوصفه محسوباً على المدير، بينما هو الأجدر هُمِّش وجُمِّد! الأمر الذي ينعكس بالضرورة على أسرته.. يبقى الأخطر من ذلك كله وهو تداعيات المحسوبية وشررها الذي يطول المجتمع لا محالة، بوصفها تذكي «الشللية» والنعرات واستتباعاً تشعل فتيل المناطقية والقبلية وغيرها من آفات تنخر المجتمع وتصدعه، نخلص بأن المحسوبية أم المفاسد وبمقتضى ذلك، أوصي من هذا المقام بسَنِّ نظام يجرِّمها بما يتسق ويتوافق مع طموحاتنا، خصوصاً في هذه الحقبة التي نحتاج فيها أكثر ما نحتاج لترابط المجتمع وتلاحمه، فلنعاقب أرباب المحسوبية بلا هوادة كي نقتلع المفاسد من جذورها.