ثمة أمر مخيف في «قول الصدق» هذه الأيام، خاصة إن كنت تريد بهذا الصدق توضيح الصور للآخر لا السخرية منه لتعديل مسار نظرته إلى الأمور، وتفاجأ خلال تلك الرحلة القصيرة جداً بين ضميرك وعقله بكم لا حد له من الاتهامات، والصور المشوَّهة عن سلوكك معه، والتصورات غير المنطقية في تحليله لأفعالك، التي من المفترض أنك قمت بها عن سابق نية حسنة، وترصد لفعل الخير، وفقط من باب التفهم، والعطاء، والاحترام والتقدير لشخصه. حينها تنتابنا الحيرة في التعامل مع نوعية تلك الأشخاص، هل نباغتهم بقوة الفعل، والفكرة، والسلوك، أم من الأفضل الترفُّع، والصمت، وترك الأيام تحقق مرادها في ترويض مواقفك في عقله؟! حقيقة.. إن التعامل مع عقليات البشر مغامرة ليست بالضرورة أن تكون لذيذة في كل مرة، وعلى الرغم من أننا نعلم أن الصدق منجاة إلا أنه يصبح أحياناً علقماً، نتجرعه حينما لا يصل ما نريده إلى الآخر. وربما من أسوأ الأمور، أن تضطر إلى التبرير لنفسك، وأنت تعلم أنك فوق مستوى الشبهات. ولعل الطريقة المثلى للتعامل مع «صدقك»، هو اتخاذ الحيطة والحذر مع مثل هذه النوعيات من الأشخاص، فجرعات الصدق قد تكون خفيفة، أو تزيد حسب حس ووعي الطرف الآخر، وأنت في النهاية ستتمكن من قول الحقيقة بنقائها ووضوحها، ولكن بالطريقة التي لا تضعك في موقف اتهام، أو تبرير. تلك مهارة تحتاج إلى وقت لإتقانها، ولعل من أفضل أدواتها الإنصات إلى مَنْ تحدثه، وللإنصات ميزتان، الأولى: إعطاؤك فرصة التفكير في الوسيلة المناسبة التي عليك اتخاذها للبوح. والثانية: أن تقترب من نمط فكره قبل أن تقفز حماستك لمصارحته، فيجلدك صدقك.