في عالم «التسويق» تعتبر أنجح الخطط التسويقية هي تلك التي يتوفر فيها عاملان رئيسان: الوصول لأكبر عدد من أفراد الشريحة المستهدفة بسهولة، وأن تكون كلفة الوصول إلى هذه الشريحة منخفضة، أو أن يغطي جزءا من عائد الحملة كلفتها، وتعد الخطة مبهرة إذا ما استطاعت أن تجعل من إحدى مظلات المستهدفين أو القطاعات التي يندرجون تحتها شريكا أو داعما أو مسوقا لها. مجموعة مطاعم «ماكدونالدز» استطاعت أن تلعب على هذه الخطة بذكاء، وأن تحصل على دعاية مجانية كبرى وبرعاية أكبر مظلة لكرة القدم في المملكة، دون أن تقدم فائدة حقيقية لهذا المجال سوى «الوهم»، فكانت الرابح الأكبر مما أطلقت عليه «مبادرة ماكدونالدز لمواهب كرة القدم». ظننت كما ظن كثيرون غيري ممن رأوا وسمعوا عن إعلان المبادرة التي ملأت الآفاق، أننا أمام مبادرة حقيقية تثري رياضتنا خصوصا كرة القدم، باكتشاف مواهب جديدة لاتعرف أو لا تستطيع إيصال موهبتها فيستفيد الوطن منها، وتستفيد هي في المقابل من «الدعاية» لنفسها. كنت من أشد المتحمسين للفكرة ولما ستكشف عنه مبادرة كهذه من مواهب، أجزم أن في مدننا وقرانا منها الكثير، وربما أفضل مما لدى الأندية، ولذلك قررت أن أزور ملاعب المبادرة في ثاني أيام انطلاقها، وأن أبقى قريباً منها لأرى خططها وطرائقها وتقدمها وخطواتها، وأن التقي الخبراء والمدربين العاملين فيها، الذين من الطبيعي أن يكونوا من خيرة الأسماء في مجال اكتشاف المواهب وصقلها. كل ماكنت أنظر إليه من بعيد اكتشفت أنه سراب بقيعة فلا يوم ثان ولا ثالث، وكل ما في الأمر أن المبادرة المزعومة جمعت مئات الفتية في ملعب مستأجر لمدة يوم واحد، وأجرت بينهم مباريات مصغرة ثم انتهى الأمر بالإعلان أنه سيتم تحديد فئة صغيرة ممن اعتبروا ضمن الموهوبين، وانتهت المبادرة إلى هذا الحد. لا أعلم كيف استطاع هؤلاء الخارقون أن يكتشفوا الموهوبين من بين مئات الطامحين، في فترة لم تتجاوز خمس ساعات، تتخللها صلاتان وفي أجواء ملتهبة مثل أجواء المنطقة الشرقية، وإذا كانوا يستطيعون ذلك بالفعل فإني أطالب بأن يتولى هذا الفريق الخارق مسؤولية الإشراف على منتخباتنا الوطنية! بطبيعة الحال لايمكن أن أصدق مثل هذا الأمر وهذه القدرات الإعجازية، وأعلم أن هدف الشركة هو تسويقي بحت، ولكني ألقي باللائمة على الاتحاد السعودي الذي دعم «مبادرة الوهم» وتبناها وهو يعلم أنها لن تحقق ولا 1% من المأمول. أتمنى أن يكون الاتحاد السعودي على الأقل قد استفاد من الشركة مبلغا محترما يودعه في خزائنه، فما دام اللاعبون لم يستفيدوا من هذه التجربة فعلى الأقل لايخرج منها الاتحاد صفر اليدين، وعلى رأي المثل «ريحة أبو زيد ولا عدمه».