أتذكرون الشاعر السوداني الهادي آدم صاحب أغنية: (أغداً ألقاك) التي أدتها كوكب الشرق أم كلثوم؟! عاش شاعرنا حياة مديدة، لم يسأم خلالها مثل زهير بن أبي سلمي الذي شكا انشغال أحفاده عنه بالتفحيط والتغريد: (سئمتُ تكاليف الحياة ومن يَعشْ/ ثمانينَ حَولاً لا أبا لك يسأمِ). استخلص آدم من تجاربه العريضة في الحياة، حكاية غاية في الظُرف والحكمة مستعرضاً مراحل سيرة الرجل العربي الذي انقطع عنه طمث الحياة، قال: (في الفترة الأولى، يعيش كالبشر، تهفو له القلوب إن خطر، حتي إذا تجاوز العشرين، تراه كالطاؤوس في ازدهاء، ضمّخ اللمة بالطِيب ولمّع الحذاء. يغازل النساء ويرمق الحياة في ازدراء، ويقطع الشباب في تدلّل وكبرياء، وبعدها تراه كالحمار، يحمل فوق رأسه الخضار، واللحم والرغيف والبطيخ، وتارة ملابس الصغار، يظل هكذا بالليل والنهار، حتي إذا ألوي به الطريق، وأخذت عيونه تضيق، ونام تحت حاجبيه الأغبرين جفنُه العريق، ولم يعد يطيق وظيفة الحمار، أقعي ككلب مُسْعر النباح، يصيح بالأحفاد في المساء والصباح: لا تشربوا من هذه القُلل، لا تضربوا هذا الحمل، ألم يعد لكم عمل، أف لكم يا مجرمون، ويا شباب آخر الزمان، يا لعبة معروضة في مهرجان، لقد سئمت هذا البيت. يا سلام! حتى إذا أوفي الثمانين سكت. وبعد ما ثرثر في الدنيا صمت. ولم يعد له الكلام، سوي تحركات القرد في الآكام، طوراً يكُح دونما انقطاع، وتارة يواصل الضحك ويشتكي من الصداع، ولم يُعد يسأل عن شيء سوى الطعام، كذلك اليوم الذي فيه أطل صارخاً علي الأنام. إذ وضعته أمه غلام، لا يبتغي شيئاً سوي الطعام، وبعدها، ينام! يا ويح نفسي من غدٍ.