ما معنى «وثيقة شرف»؟ قد يظن البعض أنني أتذاكى, لكنني في الحقيقة لا أعرف لها معنى, فمنذ أن سمعت عنها قبل أكثر من عقد في أحد مؤتمرات وزراء الإعلام العرب في القاهرة توقفت عندها, لكنني يومها اكتفيت بأنني لا أعرف ولا داعي لأن أعرف لأن الأمر لم يكن يعنيني كثيراً, وعلى اعتبار أن هذا ليس المصطلح الوحيد الذي نردده ونتحمس له ولا نعرف معناه, ففي عالمنا العربي هناك كلمات ومصطلحات تتردد ولا أحد يعرف معانيها ولا المقصود بها, ولا أحد يتوقف عندها, من باب «لا تدقق يا شيخ !». هذه المرة وتحديداً يوم الخميس الماضي توقفت عند المصطلح مرة أخرى في حائل أثناء الجلسة الأخيرة من لقاء الحوار الوطني التاسع حيث كان محور الجلسة المطالبة ب «ميثاق شرف إعلامي». تأملت المصطلح مرة أخرى, فوجدته مفهوماً عند التفكيك, مبهماً ملتبساً عن التقاء الكلمتين, ولا أدري هل دلالته تعني نظاماً أم قانوناً أم اتفاقاً أم ماذا؟ سألت عدداً ممن أثق فيهم, فاندهش بعضهم من السؤال ليس لأنه يعرف, ولكن لأنه لم يفكر فيه مسبقاً, أمّا البقية فقالوا باختصار: لا نعرف, فحمدت الله أنني لست الجاهل الوحيد, ولأنني قلت وأريد أن أكرر أن إعلامنا السعودي لم يعد بحاجة للمزيد من المصطلحات ولا الفلسفات التي تدور حول الحمى, ولا تجرؤ على الدخول فيه مباشرة. الإعلام في المملكة يعاني من معضلتين أساسيتين قديمتين جعلته في ذيل قائمة التطور المشهود للوطن سواءً على المستوى المحلي أو المستوى الدولي. أولى المعضلتين : غياب التأهيل والتدريب الذي من شأنه تخريج كفاءات إعلامية متميزة في شتى فروعه بما فيها الإدارية, إذ لا توجد معاهد عالية متخصصة لهذا الغرض, ولا كليات الإعلام نجحت, ولن تنجح بوضعها الحالي, ولهذا بقي الإعلام ميداناً خصباً للهواة – وأنا واحد منهم – وللموظفين, ودواوين وزارة الإعلام وفروعها تعج بهم, أمّا الإعلامي الموهوب المتخصص فعملة نادرة, إن وجدت ضاعت وسط غابة الهواة وأدغال الموظفين. المعضلة الثانية : غياب السياسات والتشريعات الدقيقة التي تتضمن ثلاثة أمور: أولها : إلزامية تدفق المعلومات والكشف عنها, وإلزامية التجاوب السريع مع وسائل الإعلام, وفق أنظمة وقوانين ملزمة يعاقب من لا يطبقها, وبطبيعة الحال فهناك معلومات سرية ويجب أن تبقى سرية وفق هذا النظام. وثانيها : حرية النشر والرأي وفق أنظمة وقوانين تراعي الدين والأخلاق, وتستند إلى النظام الأساسي للحكم, وهذا يستدعي إعادة النظر الجذرية في نظام المطبوعات والنشر وقبله السياسة الإعلامية للمملكة. أمّا ثالثها : فكادر وظيفي مختلف لمنسوبي الإعلام الرسمي يتضمن شروطاً ومؤهلات معينة لمن يلتحق به, ومميزات مالية ومعنوية مغرية. وكما هو واضح مما تقدم ، لا يمكن النظر إلى جزئية دون النظر إلى بقية الجزئيات, فالتغلب على المعضلة الثانية بكل فروعها مرهون بالتغلب على المعضلة الأولى, والتغلب على الأولى مرهون بتغيير نظرتنا إلى الإعلام, وهنا لا بد أن نسأل عدة أسئلة منها مثلا: - هل الإعلام يمثل أهمية كبرى أم متوسطة أم صغرى؟ - المملكة رائدة في العالم الإسلامي وخادمة الحرمين الشريفين, وعضو في قمة العشرين, وقائدة القرار العربي اليوم, وذات تأثير بالغ في القرار الدولي, فهل إعلامنا بكل وسائله في مستواها؟ - مر على وطننا أزمات كبرى خلال السنوات الماضية, مثل الإرهاب, ومسبباته ومشكلات الحدود واعتداءاتها, وما فيها من تهريب, وشهد – أيضاً – خطوات إصلاح مهمة في التنمية منها الحوار, ومتطلبات البنية التحتية, ومحاربة الفساد, وتطوير التعليم, والقضاء ...الخ, فهل كان الإعلام بمختلف وسائله في مستوى هذه الأزمات والقضايا والأحداث من حيث المعالجة والرؤية والإستقصاء والرأي؟ - هل كبار المسؤولين السعوديين يحترمون وسائل الإعلام السعودية, ويفضلونها عن غيرها من وسائل الإعلام العالمية, لتنقل عنهم سياساتهم ورؤاهم وتطلعاتهم لوطنهم, ولعلاقاته مع العالم الخارجي؟ - هل المواطنون السعوديون يثقون في وسائل الإعلام السعودية ويصدقونها, ويعتبرونها مصدرهم الأساسي للمعلومات؟ من المهم جداً الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها بمصداقية وموضوعية وصراحة ووضوح, لتكوين نظرة جديدة للإعلام, ومن ثم وضع استراتيجية جديدة عاجلة من شأنها التغلب على المعضلتين اللتين أشرت إليهما, ووضع الإعلام في المكان والمكانة اللتين تليقان به, وتجعلانه لائقاً بقامة وطن له في الجغرافيا والتاريخ والسياسة والاقتصاد والتنمية الإنسانية والمكانية نصيب الأسد, وله في الإعلام – مع الأسف – نصيب السلحفاة. وقبل أن أختم أريد أن أوضح أنني أقصد بوسائل الإعلام «التلفزيون, والإذاعة, ووكالة الأنباء, والصحف والمجلات السعودية, والصحف الإليكترونية» أمّا «فيس بوك , تويتر ونحوها» فهذه من الخطأ اعتبارها وسائل إعلام, فهي وسائل تواصل اجتماعي, مثل تواصل الناس قديماً عبر الهاتف أو الهمس الشخصي أو لقاءات المجالس, الفرق فقط هو اتساع الوسيلة, أمّا المضمون فموجود ومتجدد في صدور وأذهان الناس ليس من قبل اختراع المطبعة بل من قبل «إديسون» وكهربائه.