تناقضٌ عجيب وقفت عليه قبل عدة سنوات، حيث قام أحد رؤساء البلديات في إحدى المناطق بتقديم الخطاب تلو الخطاب إلى وزير الشؤون البلدية والقروية، معرباً عن حاجته إلى معدات وآليات ثقيلة (تراكتورات، شيولات، قلابات، كناسات، وغيرها) لأن ما لديه من آليات انتهى عمرها الافتراضي، ولم تعد تعمل، والمدن والقرى أصبحت تعجّ بالمخلفات، حتى باتت مرتعاً للوبائيات. أتت إجابة الوزير عاجلة، حيث قرر انتداب أحد وكلاء وزارته للقيام بزيارة تفقدية لتلك المنطقة، للوقوف على حاجاتها، لكن رئيس البلدية ما إن علم بزيارة الوكيل حتى أعلن حالة الاستنفار والسهر طوال الليل لإصلاح وتنظيف الطريق الذي سيمرّ عبره الوكيل، أما الأماكن التي لا يستطيعون إزالة ركام الأوساخ والمخلفات منها، والواقعة بمحاذاة الطريق، فيقومون بحجبها بساتر من الألواح الخشبية، ودهنها وزخرفتها بألوان جذابة، الأمر الذي يحول دون رؤية الوكيل لأي أوساخ أو مخلفات على جنبات الطريق. لاحظ الوكيل أثناء زيارته نظافة منقطعة النظير، ولم يرَ ما خلف الستار، وعند اجتماعه برئيس البلدية، قال له: أنا آسف، لا أستطيع تلبية طلبكم بتوفير معدات فوق حاجتكم .. هاهي الأماكن تشع نظافة وجمالاً، فلم أرَ حتى ورقة على الأرض؛ ما يعني أنكم لستم بحاجة إلى معدات وآليات كما ذكرتم في خاطباتكم التي دوشتونا بها. أقول للأحبة رؤساء البلديات: لماذا لا تجعلوا المسؤول يرى حقيقة الوضع حتى يشارككم همومكم وينظف معكم البلد؟!