مع بداية انتشار ظاهرة السيلفي كانت لا تخلو التعليقات على سلوك أصحابها من التغامز بضحالة التفكير والخلل النفسي وحب الظهور في أحسن الأحوال. ومن ثم بدأت تنتشر كممارسة طبيعية فرضتها الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية وباتت تُشبع احتياجاً كبيراً بين المتراسلين. ولأول مرة أستثني هذه الممارسة من دائرة السلوك الترفي حينما شاهدت التقرير المصور الذي بثته الCNN مؤخراً حول «ظاهرة انتشار السيلفي بين المهاجرين السوريين الواصلين بسلام إلى جزيرة كوس اليونانية»، ولكم أن تتخيلوا حمى الفرح التي تجتاحهم وهم يتناقلون الهواتف الذكية المعدودة التي بحوزتهم حتى يحظى الجميع بفرصة التقاط صورة لذاته دون أن يعيروا قطرات الماء التي لا تزال ترشح من أرواحهم قبل ثيابهم، ليسجلوا دليل إثبات يمكن أن يبعثوه إلى عائلاتهم أينما كانوا على كونهم أحياء يرزقون ووصلوا بسلام إلى أرض أخرى لا تُمطِرُ لهباً. هذا التقرير ذكرني بلوحة لفنان الجرافيتي البريطاني «بانكسي» التي كانت بعنوان «لاجئون في طريقهم إلى أوروبا»، المؤسف أن اللوحة كانت تصوِّر اللاجئين على أنهم أفارقة فقط، ومع أن بانكسي لا تعجزه مشاكسة الإعلام وفضحه لذا يمكنه أن يعود إلى الضرب من جديد ويصور لنا قبلة السيدة السورية يد أحد أفراد خفر السواحل الإيطالي حتى يسمحوا لها بالمرور مع ابنها، وإن كان سيحرق الأرض فيمكنه إعادة إحياء فاجعة اللاجئين السوريين الذين تركهم السائق الروماني يختنقون في سيارة مبردة على الحدود المجرية النمساوية وفر دون أن يعقب. جمان: فن الشوارع وسيلفي المراهقين استطاعا قول الحقيقة، وتلك العروش لا تزال تترك النار خافتة تحت طبخة المصالح حتى يهلك الجياع.