أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم أن عصمة الدم أعلى درجات الأمن الدنيوي فإذا ضاع، فما سواه من صور الأمن أضيع. متسائلا بأي حق وأي تبرير يستبيح أحدنا دم أخيه المسلم وتزهق النفس البريئة ويعبث بانتظام الحياة الآمنة الهانئة. ودعا في خطبة الجمعة أمس الأمة إلى أن تصحو من غفلتها لتعي خطورة ما يدمي القلوب، ويبكي العيون، من مآسي إخواننا المسلمين في كل مكان؛ حيث تُنتهك دماؤهم بغير حق، من قبل عصابات طاغية معتدية، وتحل كل أنواع الإجرام من قتل وسلب وإخلال بأمن فتبيح لنفسها الانقلاب والقتل والاستهتار بالأرواح وحقوق الجوار. وتناول الشريم في خطبته فريضة الحج وفضلها الكبير لتجديد العهد مع الله والخلوص من عوالق الدنيا وحوارفها، وقال: فما أن ودع المسلمون شهر البركات والرحمات إلا ولاح لهم في الأفق موسم الذكر والتهليل والتكبير والتلبية، موسم الوقوف بعرفة والحجّ الأكبر ورمي الجمار وقضاء التفث والطواف بالبيت العتيق، موسم تعظيم شعائر الله المذكّية للتقوى في النفوس (ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). وأضاف: لقد جمع الله لعباده في موسم الحج أنواع العبادة الثلاثة القولية والبدنية والمالية. ولعظم شأن هذه الأعمال الثلاثة كان من الحكمة أن سبقها تجرّد من عوالق الدنيا ونزع لما يكون سبباً في جلب الصوارف عنها، فكان أول عمل يعمله الحاج قبل النية والتلبية أن يتجرد من لبس المخيط، وكأن في هذا التجرد إيذانا بالصفاء والخلو من الغشش، وفيه نزع لاعتبارات المظاهر على المخابر، وأن تقوى الله والقرب منه سبحانه وتعالى هما المعيار الحقيقي لذلك. وأشار إلى أن المردّ في حقيقة التجرد يرجع إلى عنصرين رئيسين لا ثالث لهما أحدهما التجرد في الإخلاص والآخر التجرد في المتابعة فتجرد الإخلاص ينفي كل شائبة من شوائب الشرك الأكبر والأصغر الخفي والجلي فإن من تجرد في إخلاصه لله لم يشرك معه غيره وفي الحج من مظاهر التوحيد قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) أي له وحده دون سواه. فإن من الناس من يحجّ رياء وسمعة ومنهم من يحجّ لدنيا يصيبها أو رغبة يحصّلها فكان التجرد لله قاطعا كل السبل إلى غيره، وأما تجرد المتابعة فهو عنصر عظيم وسياج منيع يتم الحفاظ من خلاله على عنصر التجرد في الإخلاص؛ إذ لا نفع في إخلاص لا تتحقق فيه متابعة أي أن يقع الإخلاص في موقعه اللائق به وهو أن يكون موافقا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: «إن من أعظم الحقوق التي يجب المسارعة في التجرد الصحيح فيها هي دماء المسلمين؛ فإنها حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. وقال الصادق المصدوق: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثّيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة). رواه البخاري ومسلم. وفي المدينةالمنورة أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة على أهمية العلم وفضله، وقال إن العلم نور يضيء الطريق ويهدي السالكين، وهو ركيزة التقدم والتطور والتنمية، وسبيل النهوض بالعالم الاسلامي لبناء حضارة مشرقة واقتصاد متين وإنسان متزن. وأوضح في خطبته أن العلم يؤتي أكله ويزهو أثره حين يربط بأصالة الكتاب والسنة في الثقافة والفكر والأدب، ولا يمكن للأمة أن تثبت وجودها وتكون لها الريادة وموقع الصدارة إذا فقدت وأهملت أصالتها أو تناست لغتها وتاريخها، فللقرآن أثر لا ينتهي مدده ولا ينضب فيضه، حكم وأحكام ونماء وتنمية ينقل الفرد والأمة إلى الدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والأمة المدركة لأهمية قرآنها وعظيم أثره، تجعل له النصيب الأوفر في مناهجها وتنكب عليه قراءة وتدبراً وفهماً. وسلط الثبيتي الضوء في خطبته على أمر قد نغفل عنه، وهو القيمة الحقيقية للعلم، فهذه الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق والمباني التي تشيد، والعمل الدؤوب كلها تتعاقد لتحقيق الأثر المنشود والهدف الأسمى، وإذ أردنا معرفة فاعلية المناهج وطرائق التعليم، فعلينا قياس أثر التعليم في النفس والحياة والتنمية، وتقدم الأمم لا يقاس بكم المعلومات التي تحشى بها الرؤوس ولا بقدر المحفوظات التي تلوكها الأفواه، وإنما تقاس بأثر هذا العلم في السيرة والسريرة والحياة والتنمية. وبين أن الذي أضعف تأثير العلم وأفقده شيئا من قيمته أن جعله بعض المنتسبين له ثوباً يتجملون به وحلية يتفاخرون بشهاداتها، وسلماً لبلوغ الجاه وتحصيل المال، وإشباعاً لشهوة خفية من حب الظهور والتفوق على الأقران أو طلباً لمحمدة، فعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ). ولفت إلى أن الإيمان هو الضابط للعلم والموجه لمساره حتى يحقق أثره النافع، وإذا لم يقترن العلم بالإيمان غدا خيره شراً ونفعه ضراً، وأثره وبالاً على الفرد والأمة.