في زمن «الهدوء» والصوت الواحد، والمنبر الواحد، والاتصال ذي الاتجاه الواحد، كانت الساحة لا تتسع سوى للرموز، أما جمهرة الناس فلم يكن لهم إلا التلقي بهدوء، والمتابعة بهدوء أيضاً لما ينتجه الرموز. لاحقاً، الجميع -رموزاً وجمهرة- وجدوا أنفسهم مقذوفين في خضم العالم الجديد، برقميته، وتقنيته، وإعلامه، وتسارعه، وهلاميته! عالم صار كل شيء فيه يحتمل الواقع والافتراض، الشك واليقين، الحق والباطل! اندلق الصخب والضجيج، وبدل الصوت الواحد صار لكل صوت، وبدل المنبر الواحد صار لكلٍ منبر، وبدل الاتصال ذي الاتجاه الواحد، صار الاتصال يحتمل كل اتجاه. توارى «زمن الهدوء»، وحل محل رموزه في زمن الضجيج نجوم من ورق، سطعت من بين صفوف العامة استأثرت بالشهرة والجماهيرية والمال والحظوة، فأدرك النخبة أنهم أمام «ورطة» مخالطة العامة، لأن انكفاءهم على أنفسهم تكريس لمزيد من التقوقع الذي سيلقى بهم على هامش الحياة. فكان تويتر «مكان اللقاء»، الذي كشف حقائق صادمة لأكثر الرموز، وصادمة لبعض من كانت تبهره الهالات الضخمة التي أحاطت ببعضهم ردحاً من زمن الهدوء! لو رصدت نشاط أغلبهم في تويتر، لتبين لك أنهم لا يزالون متمسكين ب «بريستيج» الزمن الغابر، يظنون أنهم ممسكون بزمام الحوار، وأن الاتصال أحادي الاتجاه ينطلق منهم ويعود إليهم، ولم يدركوا أن المتلقي تجاوزهم بشكل أو بآخر، لذا تجد تفاعل أغلبهم مع العامة لا يتعدى «ريتويت» لتعليق ثناء، أو اقتحام هاشتاق من أجل حفنة تصفيق، أو تفضيل تغريدة عابر مجهول حملت اسمه، ولسان حاله «الحمد لله أن اسمي ما زال موجوداً». ليس تحاملاً على الرموز، لكن هذا واقعهم، فهم يرفضون الانخراط في الواقع الجديد، لأنهم يريدونه أن يتقبلهم كما هم، بينما لن يكونوا فاعلين فيه ما لم يتقبلوه هم، وبمبادرة منهم. نعتب عليهم لأننا نحتاجهم لإعادة دوزنة الواقع، فقد صمّ آذاننا الضجيج والصخب.