كان الله في عون المواطن غير المتخصص في الرياضيات؛ فسيجد نفسه عاجزاً عن قراءة الأرقام الفلكية لتكلفة بعض المشاريع الحكومية، ولعل الجهات المسؤولة عن تلك المشاريع، تقدم دوراتٍ متخصصة للمواطنين، في كيفية قراءة أرقام مشاريعها «المخيفة»، ذات الخانات الطويلة، من باب الثقافة ورفع الحرج، والخروج بفائدةٍ واحدة على الأقل، مما يسمعه المواطن بأذنيه، ويقرأه بعينيه، ولا يلمسه بيديه..! في معظم المناطق؛ تُعقد الاجتماعات، وتنشر التصريحات، للتبشير بالتنمية والمشاريع، ليتعرض المواطنون لسيلٍ من الوعود والأحلام، في «مهرجانات الأرقام»، التي ترصد لمشاريعٍ تنموية مبهجة، في كل القطاعات المهمة، تعلن عنها الأمانات والبلديات، وتُصرّح بها «الصحة» و«النقل» و»التعليم» وبقية الوزارات..! لكن فرحة الإعلان والتبشير، تقتلها أمراض التعثر أو التأخير؛ فكم من مشروعٍ مات قبل أن يولد، وكم من مشاريع «ورقية»، شوهها الإهمال والفساد والتقصير، في الترسية والتنفيذ والإدارة والمتابعة، في ظل الواقع البائس للأداء والإنجاز، وغياب الجودة والإبداع، وضعف الرقابة والمحاسبة، وكل ذلك ينعكس سلباً على حركة التطور والتنمية، ويقلل من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، ويكرس لانعدام الثقة في مخرجات الجهات الخدمية، ويزيد من حالة اليأس والإحباط..! ختاماً؛ المواطن البسيط، لا تهمه أرقام المشاريع، التي لا يستطيع قراءتها، وإن قرأها لم يفهمها، فلا يريد إلا طرقاً معبدة، ومستشفياتٍ جيدة، واقعاً لا أحلاماً وأمنيات، فلا تشغلوه بكل هذه الأرقام والأوراق، حتى لا «يغني» ألماً لا طرباً: «ويش أسوي بالورق»..!