انتشرت في شوارع دمشق لوحات إعلانية تحثُّ الشبّان على الالتحاق بالقوات النظامية، في وقتٍ تفيد تقارير بتخلُّف عدد كبير منهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية بالتزامن مع خسائر بشرية كبيرة في صفوف الجيش الذي يقاتل على جبهات عدة. وتعمل السلطات السورية منذ فترة على تكثيف التحفيزات من أجل تشجيع الشباب على التجنيد الذي يستمر سنتين. وحملت اللوحات التي عُلِّقَت خلال الأسبوعين الماضيين عبارات «التحقوا بالقوات المسلحة» و«الجيش كلنا» و«بجيشنا نكسب بلدنا»، وحملت توقيع «مجموعة سيدات سوريا الخير». ويبدو في إحدى اللوحات شاب يرتدي زياً عسكرياً ويحمل على كتفه بندقية وإلى جانبه طفلة مبتسمة ترفع يدها اليسرى بإشارة النصر، كما ظهرت في الصورة امرأة من الخلف تضع حجاباً أبيض وترفع كذلك إشارة النصر. وتظهر في لوحة أخرى شابة بالزي العسكري وهي تسدد صوب هدف ببندقيتها، فيما يقف في الخلفية جندي يؤدي التحية. وتقدِّم «مجموعة سيدات سوريا الخير» نفسها على موقع «فيسبوك» على أنها مؤلَّفة من «أمهات وبنات حماة الديار»، مؤكدةً أن هدفها المساعدة في تقديم «حصص غذائية وأدوية وألبسة وبطانيات وحليب أطفال، بالإضافة إلى الدعم المعنوي». وتحمل صفحة المجموعة على «فيسبوك» صورة الرئيس بشار الأسد، وصورة أخرى له وهو يصافح أحد الجنود، كما تنشر شعارات وصوراً دعائية لقواته. ويتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن «أكثر من 70 ألف حالة تخلُّف عن الالتحاق بالخدمة العكسرية الإلزامية» منذ بدء النزاع في سوريا في منتصف مارس 2011. ووفقاً للباحث المتخصص في الشؤون العسكرية لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أرام نرغيزيان؛ خسِرَ جيش الأسد -الذي كان عدده 300 ألف قبل بدء النزاع- نصف عناصره الذين فرُّوا أو قُتِلوا. وتسمح السلطات للشبان الذين يتوجب التحاقهم بالخدمة الإلزامية عند سن ال 18؛ بالتأجيل لأسباب دراسية أي لدى تسجيلهم في الجامعة أو المعاهد، وذلك حتى تخرجهم. ويستفيد من الإعفاء الابن الوحيد في العائلة ومعيل العائلة ومن يعاني من مرض أو إعاقة تمنعه من الخدمة. فيما يضطر الشبان الذين لم يتمكنوا من إتمام تحصيلهم العلمي لدى بلوغهم السن القانوني أو الذين انتهوا من الخدمة ومهددين بالالتحاق في صفوف الجيش كاحتياطيين «42 عاماً كحد أقصى»؛ إلى السفر خارج البلاد سواءً بالطرق الشرعية أو غير الشرعية. ودفع تراجع عدد الملتحقين بالخدمة القيادة العسكرية إلى الاحتفاظ بالمجندين وعدم تسريحهم رغم انقضاء مدة خدمتهم الإلزامية. وفي محاولة لرفع معنويات الجنود وتشجيعهم على القتال؛ أبلغ رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، مجلس الشعب الأسبوع الماضي بأن السلطات ستبدأ اعتباراً من الأول من يوليو الجاري وبتوجيه من الرئيس الأسد في دفع مكافأة مالية قيمتها عشرة آلاف ليرة سورية شهرياً (33.5 دولار) للجنود الموجودين على الجبهات الأمامية وستقدم لهم وجبة طعام ساخنة إضافية يومياً. واعتبر مصدر أمني في حينه أن «هذا يندرج في إطار الدعم والتحفيز». وفي ديسمبر 2014؛ أصدر الأسد مرسوماً قضى بالسماح للعاملين في القطاع العام الذين يتركون وظائفهم للقيام بالخدمة الإلزامية؛ بالعودة إلى عملهم بعد انقضاء مدة التجنيد، وهو أمر لم يكن معمولاً به سابقاً. ونقلت إذاعة «شام إف إم» الخاصة القريبة من السلطات عن رئيس اللجنة الأمنية في محافظة حمص من دون أن تذكر اسمه، دعوته «جميع الشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية والاحتياط غير الملتحقين (…) إلى مراجعة شعبة التجنيد- المنطقة الوسطى- أو قيادة اللجنة الأمنية والعسكرية في حمص وذلك لتسوية أوضاعهم ليصار إلى وضعهم بالخدمة العسكرية ضمن المحافظة حصراً». ويحظر القانون العسكري إجمالاً خدمة الجندي في المنطقة التي يتحدر منها. وفي محافظة السويداء «جنوب» ذات الغالبية الدرزية؛ أفاد مواطنون بغضِّ السلطات النظر عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية في حال انضمامهم إلى ميليشيات موالية للنظام مثل «قوات الدفاع الوطني» و«درع الوطن». وقال الطالب الجامعي رامي أبو إسماعيل (24 عاماً) «أعتقد أن السلطات غضت الطرف حالياً عن المطلوبين شرط انضمامهم إلى ما يسمى درع الوطن»، مشيراً إلى أن هذه الميليشيا تقاتل داخل المحافظة وإلى أن «غالبية الدروز لا يريدون القتال خارج مناطقهم». لكن كل التحفيزات تبقى غير كافية لإقناع الشبان بالالتحاق بالجيش الذي يقاتل أكثر من طرف في ظروف قاسية. وفي دمشق؛ ذكر شهود أن أحياء المزة وركن الدين والمهاجرين في العاصمة تشهد حملات مداهمة يقتحم أمنيون مسلحون خلالها المنازل ويفتشونها ويدققون في هويات ساكنيها بحثاً عن فارين من التجنيد. ويقول الحمصي وسام (29 عاماً) المقيم في العاصمة ويعمل في التصميم الهندسي «لا يمكنني الالتحاق بالخدمة العسكرية (…)، من يذهب إليها في هذه الأيام قد لا يعود».
