الخلافات المذهبية لم تكن يوماً سبباً لسفك الدماء فالتعايش والانتماء للدولة هو السائد بين جميع فئات المجتمع أجمع أئمة وخطباء الجوامع في مختلف مدن ومحافظات المملكة على إدانة واستنكار العمل الإجرامي الذي وقع في مسجد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه في بلدة القديح، بمحافظة القطيف الجمعة الماضي واستهدف المصلين الذين أتوا لتأدية فريضة الجمعة مما أدى إلى إزهاق أرواح بريئة في بيت من بيوت الله وإصابة آخرين. واتفق الخطباء في خطبهم أمس على أن الحادث، وما نجم عنه من قتلى ومصابين عمل إرهابي لا يقره الدين، ولا العقل، ولا الفطرة السوية، كما أن ذلك العمل الإرهابي فاجعة تعدَّى من فعلوها على الدين والكتاب والسنة، وإجماع فقهاء الإسلام من جميع مذاهبه، فالدم حرام إراقته وإزهاقه وهو في المسجد أشد وأشد. واستشهدوا – في سياق خطبهم- بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على حرمة ذلك العمل الإجرامي، وعظم عقوبة فاعله، مشددين على أن ذلك التفجيري الإجرامي الآثم يستهدف زعزعة الاستقرار في هذا البلد الآمن وتمزيق وحدته، وإحداث شرخ في وحدة الأمة حول دولتها من خلال إثارة النعرات المذهبية، ومحاولة إدخال المملكة في دوامة من العنف، والعنف المضاد الذي تغذيه دوائر استخباراتية معادية، وقنوات فضائية ومواقع للتواصل الاجتماعي؛ خدمة لأعداء الإسلام، مما يوجب الحذر من الدعايات المضللة والدعاوى الكاذبة والمزايدات الفجَّة الذي يروِّج لها المفسدون في الأرض، وجهلةٌ مغفلون؛ لتبرير أفعالهم المشينة وجرائمهم البشعة بحق الوطن والمواطنين. وأكد الخطباء على أننا في زمن فتن كَثُرت فيها الحيل والأكاذيب، وتنوعت فيها أساليب التضليل والتلبيس والتدليس والتزوير على كثير من الناس، وأن الموفَّق من باعد نفسه عن مواطنها، وحجز نفسه عن الدخول فيها، مستشهدين بحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتنٌ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرف لها تستشرفْه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به» رواه البخاري. وقالوا: إن الإسلام إنما جاء بالعدل والإحسان، ونهى عن الظلم والبغي والعدوان، قال سبحانه: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون»، وقال تعالى: «والفتنة أكبر من القتل»، وقال تعالى: «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام* وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد». ولفت الخطباء وأئمة الجوامع في خطبهم إلى أن الخلافات المذهبية لم تكن في يوم من الأيام سبباً لسفك الدماء وإزهاق الأرواح، فالتعايش والانتماء للدولة هو السائد بحمد الله وفضله بين جميع فئات المجتمع في هذا البلد منذ أن تم تأسيسه إلى يومنا هذا في صور رائعة أثارت غيرة الأعداء وحسدهم وكوامن عداواتهم، فسعوا لتأجيج الخلافات وإيقاد نار الفتن بإثارة النعرات الطائفية البغيضة التي لا يستفيد منها إلا أولئك المتربصون بالوطن وأهله، وقد وجدوا في خوارج العصر مطية سهلة لتنفيذ مخططاتهم وأجندتهم مستغلين حماقتهم وجهلهم، وفوضويتهم، وتهورهم، واندفاعهم وراء أوهامهم، وحبهم لمفارقة الجماعة، ونزع يد الطاعة، واستهتارهم بالأنظمة، واستهانتهم بالأرواح، وولوغهم في الدماء وتجاسرهم على القتل، وتعمدهم الإيذاء، والتخريب، والتدمير، بدعاوى كاذبة، وحجج واهية، وذرائع ساقطة، دون مبالاة بحرمتها، ولا اعتبار لكرامتها، ولا خوف من عقاب الله تعالى لمن تجرأ عليها، فجنَّدوهم لتشوية صورة الإسلام، والإساءة إليه وإلى أهله بأفعال طائشة، وأعمال مشينة وتفجيرات آثمة، وإفساد في الأرض. وأهاب الخطباء بالجميع أن يتحملوا مسؤوليتهم الدينية والوطنية تجاه أمن البلاد ووحدتها، وأن يتحلوا بالبصيرة التي تعينهم على فهم المقاصد الخبيثة لخوارج العصر المارقين ومَن وراءهم من دعاة الطائفية، وقوى الشر التي تتخفى خلفهم وتتخذهم مطايا لتحقيق مآربهم الخبيثة، وأن نكون جميعاً يداً واحدة وصفاً واحداً خلف قيادتنا وولي أمرنا ومع رجال أمننا ضد كل من يهدد أمن الوطن ولحمته وتماسكه وأمنه ومقدراته ومصالح المواطنين والمقيمين ويهدد ضروراتهم الخمس.