بعد أيام تنتهي الاختبارات وتزيح الأسر عن عاتقها عبء عام دراسي كان ممتلئاً بالانقطاعات، ويبدأ بعد ذلك التجهيز لاحتفالات النجاح والتخرج وما يتبعه من مباهاة بأدق التفاصيل وتوثيقها وتبادلها مع الآخرين. وتبدأ هنا سلسلة البحث عن التميز أو المنافسة لنيل لقب أفضل حفلة وأفضل أسرة، وعلى الرغم من كل ذلك لن تجد سوى القليل ممن يبوح بتفاصيل الدرجات التي حصل عليها الناجحون ربما خوفاً من الوقوع في دائرة الحسد والعين أو لأنها لا تستحق الاحتفاء. والغريب أن الأبناء أصبحوا يطالبون -بإلحاح- بإقامة هذه الحفلات كجزء لا يتجزأ من بدايات الإجازة وتقليد الآخرين وبغض النظر عن استحقاقهم لها من عدمه، فأضحى الآباء ينصاعون لرغبات أبنائهم تلك دون معارضة، فقط كي يواكبوا الموضة الدارجة. والاحتفاء هو التعبير الجماعي العلني عن الفرح ولسنا ضد الفرح ولكن كأسلوب تربوي هل كل إنجاز يقوم به الابن يستحق الاحتفاء؟ وهل إقامتنا لهذه الحفلات نابعة حقاً من رغبة في مكافأة الأبناء على النجاح أم هي مجرد برستيج اجتماعي لابد وأن يطرق باب كل أسرة في مثل هذه الأيام؟ في السابق لم نكن نعرف ثقافة الاحتفال بالنجاح كما هي الآن، فلا يتم إقامة حفلة إلا لمن نال درجات عالية أو من تخرج بتقدير عال واستحق هذا الاحتفال وهذا الفرح ولذلك كان يصحب تلك الاحتفالات لذة وشعور بقيمتها، أما الآن فنسمع كثيراً بمن تحتفي بتخرج طفلها في الروضة أو بحفظه الحروف أو ببعض الإنجازات التي لا تكاد تذكر. ومع أن التحفيز مطلب تربوي لكن لابد أن يكون مكافئاً للإنجاز ومساوياً له وغير مبالغ فيه كي لا يعتاده الأبناء فيصبح التخاذل والكسل خيارهما لاسيما وهم في كل الحالات محتفى بهم!. التوازن هو معيار لاستقامة كل شيء من حولنا، فالمبالغة في الفرح لا تقل خطأ عن المبالغة في الحزن، وكما نحب أن نكافئ أبناءنا على إنجازاتهم علينا تعليمهم قيمة المكافأة بعدم نيلها إلا بإنجاز يستحقها.