الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنفذ الوديعة الحدودي    الشؤون الإسلامية تطلق حملة التبرع بالدم بالتعاون مع صحة جازان    المملكة تحتفل باليوم العالمي للبيئة    مطار مكة.. بوابات السماء    سبع مجازر ضحيتها 71 شهيداً    انتخابات أمريكية غير تقليدية    البرازيل تستعرض أغلى بقرة في العالم    القيادة تهنئ كلاوديا شينباوم بمناسبة فوزها بالانتخابات الرئاسية في المكسيك    النصر يعين هييرو مديراً رياضياً    أوتافيو خارج قائمة البرتغال    قصة «خالد مسعد» لم تنتهِ بعد!    قمة بمواصفات أوروبية    القادسية يتوّج بكأس سوبر الماء ودرع بطولات الموسم    تخصيص منزل لأبناء متوفية بالسرطان    مراجعة شروط الحصول على الضمان لصالح الأيتام والأسر دون منازل    فيصل بن مشعل: خدمة ضيوف الرحمن رسالة عظيمة    «لا تضيّقها وهي واسعة» !    عالم عطور الشرق !    كيف يمكننا أن نتخذ قراراتنا بموضوعية؟    من أعلام جازان… فضيلة الشيخ الدكتور علي بن محمد الفقيهي    الذهب يستقر وتوقع خفض أسعار الفائدة وانخفاض الدولار لأدنى مستوى    وزير الشؤون الإسلامية يناقش تهيئة المساجد ومتابعة احتياجاتها    تعزيز مبادرة أنسنة الخدمات بتوفير مصاحف «برايل» لذوي الهمم من ضيوف الرحمن    تدشين كرسي الأئمة للإفتاء وإجابة السائلين في المسجد النبوي    جمعية تعظيم تطلق مبادرة تعطير مساجد المشاعر المقدسة    احتفاء دولي بمنجز سعودي    بعد انتشار قطع ملوثة دعوة لغسل الملابس قبل الارتداء    %8 استشارات أطباء التخصص العام    خالد بن سلمان يدشن جامعة الدفاع الوطني ويرعى تخريج دارسي البرامج الأكاديمية    الأخضر يختتم معسكر الرياض.. وتدريبات خاصة لسالم    أمير تبوك يشيد بجهود المتطوعين لخدمة الحجاج    أمير نجران يُثمِّن جاهزية التعليم للاختبارات    أمير الشرقية يدشن مشروعات تطويرية بجسر الملك فهد    خادم الحرمين يطمئن على اكتمال ترتيبات الحج    الكوريتان نحو منعطف خطير    المنتدى العربي للبيئة يؤكد أهمية التعاون للمشاركة الفعالة في «COP 16» بالمملكة    بدر بن عبدالله يُثمّن اعتماد مجلس الوزراء تنظيمات الهيئات الثقافية    الذييب يدشّن «جمعية اللغة العربية للناطقين بغيرها»    اتفاقية لتسهيل حركة السفر بين الرياض وبكين    تاسي يعود للهبوط وسط تراجع جماعي للأسهم    صالة مسافرين جديدة بجسر الملك فهد    670 ألف طالب وطالبة بجدة يؤدون أول اختبارات نهاية الفصل الثالث    الوزراء: تعديل نظام شركات التمويل.. وتحمل ضرائب المواشي    الفريق اليحيى يقف على سير العمل بجوازات منفذَي جسر الملك فهد والرقعي    الدوحة تسلم «حماس» مقترحاً إسرائيلياً.. ونتنياهو يطالب بضمانات أمريكية لاستئناف الحرب    مودي يحتفل بفوزه في الانتخابات الهندية رغم تراجع غالبيته    مؤتمر دولي لعرض مسيرة فصل التوائم بالسعودية    معالجة المستنقعات بالمبيدات الكيميائية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأمريكي اقتراح بايدن حول غزة    دراسة: الحياة على الأرض نشأت في السعودية    أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس الجمعية التاريخية السعودية    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    الصمعاني يدعو خريجي المركز العدلي إلى الممارسة المهنية الشغوفة    «التنسيق السعودي الكويتي»: رؤية مشتركة في الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية    كلما زاد زملاء الدراسة المضطربين عقلياً.. زادت فرص إصابتك !    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرحان العقيل.. ثُلاثِيَّة القلمِ والحنانِ والصبرِ
نشر في الشرق يوم 26 - 04 - 2015


ظننتُها مداعبةً سخيفةً من ثقيلِ ظِلٍّ،
كان ذلك حين نَزَلَتْ عليّ الصاعقةُ على غير حياءٍ،
مَاتَ فرحان العقيل.
وحينَ تأكدتُ أَنَّها لَيْسَت مِزَاحًا ثَقِيلًا،
ظننتُ أَنَّ أُذُنيّ تَخْدَعَانِي،
وما أرجَعَني إلى دَائِرةِ التصديقِ غيرُ إيماني بأنَّ كل شيء هالكٌ، ولا يبقى إلا الرَّحمن.
كلُّ شيء يموتُ
كلُّ شيءٍ
حتَّى فرحان العقيل.
أَبو فهد صَاحِب البسمةِ الهادِئةِ، والقلمِ الجريءِ، والصدقِ البريءِ والكلمةِ الطيبةِ، صاحب الفضلِ الممتدِّ والعقل الراجحِ والنقد البنَّاء. المؤدب حين الأدبُ سلعة بَوَارٍ، والمجامِل حيثُ ضَاعَ الحَقُّ، وَاصِلُ رَحِمِهِ حِينَ تَمَزُّق الأَوَاصِر، البارُّ بأَهلِه، وحبيبِ أولاده، ورفِيق أسماء بنت العمِّ التي ما جفَّت لها دمعة، أو نَطَقَ لها لِسَانٌ. مُذْ أَنْ اخترتَ أن تطوِيَ عشاءً ساخنًا ينتظرك لأجل عشاء هُناك في دارٍ لا يصدق فيها الكاذِبُ، ولا يكذِبُ فيها صَدُوقٌ!
ماذا حدث، هل مات حقًّا؟، نعم أعرِف، لكن هل مات فِعلاً؟
آنَ لجذوة الضوءِ أَنْ تخفت وتنطفِئ، ولبحْرِ الحنان أن يجِفَّ. يجِفَّ!! سلوا لَطِيفَةَ أو عائِشَةَ أو رزَان، تتعذر الإجابة حين تخنقها الدُّمُوع، سلوا فهدا أو فارسا أو بدرا زوج ابنته وسلوا ابنه الآخر وهو ابن أخي، لذا فإن فرحان العقيل بصورة أو بأخرى أخي، هكذا أعرف سرّ حرقة القلب، رغم إيماني بالمآل، أدرَكْتُ إذَنْ لمَ يضغط على قلبي ثقلُ الهمِّ، ويختنق صوتي عند الكلامِ، وَتَخْرُجُ مِنِّي الكلماتُ مُبعثرةً تَسْتَدْعِي التَّرْبِيتَ وَالْبُكَاءَ..!!
الموت مصيبة، لا جدالَ، هكذا وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت)، وقد صدمتنا المصيبة، صَدَمَتْنَا حتى شلَّت أيدينا عن الكتابة، وعقولنا عن التفكير. انظروا إلى حضور العزاء، وهم كثيرون، كثيرون، من كل الأطياف والمشارب، تفرقهم أيدي الحياة ويجمعهم الحزن على رحيل أبي رزان. رزان هذه التي ينتظرها حلم أبيها، وتكلؤها يد المملكة، هي الآن تنعى جدار منزلها وكتفها، ونور عينيها!.
لو كان أبوك هنا يا رزان، لقال لك كما قال أبو فراس لابنة كانت تنتظره على عشاء مثل العشاء الذي كان ينتظر أباكِ، وكان سيفُ الموت أقربَ إلى صَدْرِ كِلَيْهِما من الغمدِ:
أَبُنَيَّتِي، لا تحزني.. كلُّ الأنامِ إلى ذهابِ
أبنيتي صبرًا جميلا للجَليلِ مِنَ المُصَاب!
نُوحِي عَلَيّ بِحَسْرَةٍ! من خَلفِ سترِك وَالحجابِ
قُولي إذَا نَادَيْتِني وعييتِ عنْ ردِّ الجوابِ:
زينُ الشبابِ، «أبو رزانٍ»، لمْ يُمَتَّعْ بِالشّبَابِ!
أتعلمين يا عائشة كيف نعزي أنفسنا في خير أبٍ لخير بنات وأعظمِ مثال لخير ابنٍ؟.
سنعزي أنفسنا بأنه مات غير هيَّاب الموت وغير خائِفِه،
مات حاملًا في جيبه قلمَه، سُلَّم عِزه ودرجاته، ولسان الحق الذي يصدر من قلب ممتلئٍ بالخوفِ من الله، كم غَرَسَه في أرضٍ فأَنْبَتَتْ، وكم وضعه في صفحةٍ فَتَزَلْزَلَت.
سنعزي أنفسنا بأنه مات دون أن يُتْعِبكُنّ معه، أو يُحمِّلَكُن خوف فراقه، أو يُمِيتكنّ كل ليلةِ فرَقًا في مشفًى جديدٍ.
مات دون أن تذهب روحه نفسًا نفسًا. كالنخل كان صلبًا رؤوفًا وظلًّا ظليلًا، يُلْقَى بالحجر، فيتساقط طيبًا، وحين أراد الموت مرافقَتَه، وَقَعَ كما تقعُ النخلةُ. لا تميل ولا تنحني، بل هكذا تسقط، مرَّةً واحِدَة على أرضِهَا.
أتراه يا لطيفة كان يخشى علينا أَلَمَ الوداعِ؟!
أَلِذَلِكَ لم يصحبْ أُمَّكُمْ هَذه المرَّة؟!.
هكذا النبيلُ يشعر بحادي القافلة وهو ينادي، فيُسْرِعُ الخطوَ حاملًا معه ما خفّ من متاعه لرحلة طويلة، طويلةٍ يصحبُها فيه عمل ظل عمره يزيّن أبوابَه، ويُحسِّن بناءه، لا ينظر إلى قريتِهِ التي خلَّفها وراءه، ليتصالَب من أجلِ اللقاء، ولا يودِّع أهله فيُثنيه الدمعُ عن إنجاز مغامرَتِه. قفوا على باب البيتِ ولوِّحوا لمغيبه، قولوا له: سلامٌ أبا فهد، أَبَانَا، انتظرْنَا هناك يا حبيب! وصدِّقُونِي سيسمعكم تمامًا..
مضى يا فهدُ عزيز القلبِ والعينِ، هو هناك ينظر إليك من إحدى زوايا المنزل، علّمك وينتظر كيف تؤدي اختبارك. عرَّفك الطريق وينتظرك في آخره فاتحًا ذراعيه يتلقف إنجازك، ويفاخر به. ويرى كيف صار فارس رجلًا، يلبس عباءة أبيه، ويردد نصائحه، ويفتقدكم بشدة، ويتمنى لو يحضنكم مرّة أخيرة. لكن القافلة قد عَبَرَتْ سياجَ الحدود وانطَلَقَتْ إلى السماء.
أما أنتِ يا رزان فكان لك شرف رؤيته في بدلته الكحلية، لونِكِ المحبَّب. التقيتما هناك، وخرجْتُما، وتكلَّمْتُما. هل كان يعلم أنكِ أرقّ قلبا، فما أراد أن تلومي نفسك على فراقٍ بعد غيابٍ، لم يُردْ أن ينكسِرَ زجاج قلبك بضربة تعلمين ألا ذنب لك بها سوى طلب الدراسة في الاغتراب..؟! سبحان الله على الرحمةِ. سبحان الله على الكَرَمِ. للَّهِ في خلقِه شُؤُون!.
أسماء ابنة عمي، تذكرين زيارتكما لي حين كُلِّفت وكيلةً؟! ما زلتُ أذكر الحلوى التي مَلَأَتْنِي بهجة كطفل صغير يوم العيد يتلقى من أبويه رِيالَهُ الأوَّلَ. ما زلتُ أذكر حديثَه الضاحِكَ، الذي يشِعُّ أملًا، وَيَفِيضُ شَفَقَةً. ما زِلْتُ أتفرَّس في وجوهِكُم بِحَضْرَتِه، كيف كانت الضحكةُ صافيةً، والكلمةُ صادقَةً، والحنانُ مهولا! يا الله!.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بِقَدر،
العجزُ قَدَر،
الكَسَلُ قَدَر،
والْمَوْتُ قَدَر،
وليس لنا الخِيَرة. والأمرُ كُلُّه لِلَّهِ.
ابنةَ عمي، لا شيءَ يُعَزِّيكِ في زَوْجِك، لا شيء على الإطلاق. لَئِنْ فَقَدَ الأبناءُ أباهُم، فَقَدْ فقدتِ أَنْتِ كُلَّ شَيْءٍ، قَلْبِي مَعَك.
لَكِنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ مع المصيبةِ الرحمةَ.
ومع البلاءِ النعمةَ.
وهذا فهد أطال اللهُ عمره وَجْهُ أَبِيه الأَصْغَر،
وفارس.. مسرَّة القَلْبِ والعَيْنَيْنِ،
وهذه لطيفة كَبِيرَةُ العقْلِ الراجِحَة،
وعائِشة سرُّ أُمِّها واسطة العقد،
ورزانُ، أمل الجميعِ، وحلم الجميعِ، وأفق الجميعِ،
باللَّهِ عليكِ تصبَّرِي، فمِنْ صَبْرِك نستعيرُ صَبْرَنا. ومن ثَبَاتِكِ تَأْتِي سَلْوَانَا. وحين تَجْلِسِينَ وَحِيدَةً لا تَذْكُرِي وَجَعَ الفراقِ، واذكري ابتسامَاتِه التي كان يوزِّعها في أركانِ البيتِ، وضحكاتِه التي ما زِلْتُ أسمع رنَّتها ها هُنا. مُدِّي يديك وأمسكي يديَّ فهما تكادان تتجمدان شفقةً ولوعةً عليك. ولن يثبت رَعْشَتَهُما غيرُ ابتسامة أنتظرها منك، وأعلم أنها لن تغيبَ. رغم ألمِ الغيابِ. أَلَمْ يكتب هو بنفسه (الحلم والأناة توأمان ينتجهما علوّ الهمَّة)؟! ألم يقل: (إذا أملقتم فتاجروا الله بالصَّدقة)؟! ألم تخط يداه: (من كساه الحياء ثوبَه لم يرَ الناس عيبَه)؟! من كان هذا كلامه، فهل يخشى عليه لقاء الكريم؟!.
اللهم شفِّعْنا في عبدك، شفِّعْ فيه دُمُوعَ أولاده ولوعةَ زوجَتِه، وقسوةَ البعدِ، ومرارةَ الغيابِ. شفِّعْ فيه قلمًا عاش يشحذ سنّه. اللهُمَّ شَفِّعْ فيه ثناءَ الناسِ عليه وبهجةَ الحديثِ عنه وامتداحَ الغرباء قبل الأقرباءِ. اللَّهُمَّ تقبَّلْهُ في زُمْرَةِ الشهداءِ، وَأَلْهِمْنَا الصبر! الصبرَ يا رب نسأَلُك الصبرَ! ولله الأمرُ من قبل ومِنْ بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.