مسحت الحقيقة دمعتين نزلتا من مقلتيها الجميلتين رغماً عنها، نظرت حولها والألم يعتصر ملامحها البريئة، مدت بصرها نحو الأفق لمحت نور الشمس يغطي بيوت الناس وحدائقهم وجزءاً من آثارهم تساءلت: هل وصل النور إلى قلوبهم؟! أشاحت بنظرها نحو الأرض وقاومت دموعها وبدأت بالانهيار متحدية رغبتها في إخفائها. ومسحت بأصابعها النظيفة دموعها مرة أخرى ورفعت رأسها نحو السماء وابتهلت: يا خالق الكون أرحني من عذابي، ساعدني لكي أجد ذاتي في قلوب الناس، منذ مدة وأنا أبحث عن ذاتي الضائعة في هذا الخصم الواسع من الهياكل البشرية منذ أن أرسلتني يا رب إلى البشر وأنا أقيم في مساكن شتى فيطردني معظم من أخصهم بمودتي؟ يرفضون إقامتي بينهم؟ لماذا يا رب يسيئون إليّ وأنا أحبهم، كما أحب كل الناس؟؟ يا خالقي وهبتك ذاتي بعد أن وهبتني أنت للجميع، حملت محبتك في كياني أينما حللت، وحاولت أن أغرس تعاليمك في صدور مخلوقاتك فرفضوها يا رب ورفضوني معها. لقد أذلّوني وأهانوني وجرّدوني من كل شيء، لكنهم لم ولن يتمكنوا من طهارتي، أنا الحقيقة وسأبقى كذلك، لأنك أردتني على هذه الصورة، وبعد أن ابتهلت الحقيقة إلى خالقها أحسست بالراحة والطمأنينة؛ وهل يوجد من فعل مثل مناجاة الخالق؟! يريح القلوب التعيسة التي يئست من غدر البشر. بدأت ترسم على وجه الحقيقة ابتسامة جميلة لم تغب أبداً من قلبها ابتسامتها أشعت بنور عجيب اختلط مع نور الشمس الساطع في ذاك الصباح، فاندمجا معاً متوحدين في خيط عظيم شرع برحلة بحث جديدة بين الهياكل البشرية؛ هل ستكلل رحلتهما بالنجاح؟! من يدري؟! ربما في يوم من الأيام في لحظة تظلم منها الحياة من كثرة ما مورس من ظلم من قبل البشر على بعضهم بعضاً ربما في ليلة يغيب فيها القمر لغياب الإخلاص في قلوب من يدعون الشهامة، ربما في ليلة من تلك الليالي قد يخرج من العتمة فارس عملاق يطوف بجواده القوي باحثا بين الناس عن مظلوم يرفع عنه الظلم أو عن أسير حزين يفك أسره بإشراقة الفرح ربما سيعثر على هذا الفارس الذي ستقيم الحقيقة في قلبه الكبير ليعم العدل والحُب والصدق والوفاء. وعندها فقط ستستريح الحقيقة ستجف دموع الألم لتحل محلها دموع الفرح. ولأنها أخيراً عثرت على من يشاطرها مهمتها في غرس قيم الله، فالفارس سيحمل على كتفيه القويتين منارة العدل والحق والخير والمحبة لكل الناس وهذا هو صاحب القلب الذي ستقيم فيه الحقيقة معززة وإلى الأبد.