جملة من المثقفين الرماديين لا أدري لماذا!! اتخذوا من رجال الدين شماعة للتبرير أمام الناس عن إفلاسهم وعجزهم ناحية المجتمع، فلا تجد شاردة وواردة إلا ويطرح سيلا من الاتهامات نحوهم ليضلوا به عن تقصيرهم، وكأن رجل الدين سيطر على مقدرات الأمة وصار الحاكم بإذن الله، إن العمل الفكري والإصلاحي والثقافي غير مرهون بالمؤسسة الدينية وحدها، وإن الساحة الفكرية مفتوحة للجميع في ظل العولمة وثورة الفضاء الإلكتروني، وإن المنابر الإعلامية في هذا الزمان تستوعب الجميع. دعوة للمثقفين ومن سار في دربهم، انطلقوا وقدموا ما لديكم، لا تجعلوا من شبح رجل الدين عائقا أمامكم. من يتابع اللقاءات الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي يرى بونا شاسعا بين رأي المثقف وسلوكه، يجد نخبة من أولئك الذين يظهرون في تلك اللقاءات للتنظير لأفكارهم ويدعون للمبادئ السامية، إلا أنه في كثير من الأحيان يصدم جمهورهم بحالة انفصام ما بين ما يقوله ويظهر مخالفا لما يدعو إليه. يعرف المثقف الحقيقي بعدة تعريفات من أهمها هو ذلك الشخص الذي يجدد في عملية التفكير وإيجاد الحلول ويخلص الناس من مأزق الأزمات والإشكاليات، وهؤلاء قلة في مجتمعنا، والناس تخلط دائما بين هذا النوع والنوع الثاني المعروف بالمثقف صاحب البهرجة والأضواء ذلك الشخص الذي يجيد التحدث أمام الجمهور بأسلوب جذاب ولبق، وهناك نوع ثالث ما يعرف بالمثقف الموسوعي وهو الملم بمجالات متعددة ولا يحكم على أي مجال برأي صريح، والمثقف المتخصص وهو العارف بمجال واحد فقط ويتقن ويعرف في مجال تخصصه. والنوع الذي نشجع على إبرازه وتفاعله مع المجتمع المثقف الموسوعي المتخصص الذي نظر في كل المجالات ويرى ما يمكن أن يقدمه للمجتمع ويرفض لغة الصراع والحرب الكلامية مع رجال الدين وغيرهم، ويرفض القفز على تخصصه لنقد تخصص آخر غير ملم بتفاصيله. المثقف التخصصي الموسوعي هو ندرة في مجتمعنا ويغلب عليه طابع الانعزال ويرفض الدخول في القيل والقال، وهو من يملك مشروع وقيادة أمة ويسير وفق خطة زمنية مخطط لها بنجاح. كثير ممن نراهم في مجتمعنا الأحسائي الطيب يظهرون على أنهم نخب ولا ينطبق عليهم ذلك، وهم بعيدون عن ثقافة الوعي الاجتماعي للمشهد الفكري، جل ما نلاحظه من هؤلاء أنهم لا يبدعون إلا في النقد ولا يقدمون حلولا تخدم الناس. نرفض أي شكل من الإسقاط لرجل الدين من أجل الإسقاط نفسه، وليس رجال الدين على صنف واحد حتى نعمم خطأ الغير على الجميع. يريد بعض المثقفين أن تكون له الكلمة العليا في كل مجال وأن يصبح سماحة الشيخ دون أن يردعه أحد، وأن يفتح له المجال لنقد التراث، ويقيس ذلك على معاييره الثقافية حتى ولو لم يملك أدوات التخصص والبحث العلمي. ما نسعى إليه أن يكون المثقف ورجل الدين مكملين لكل منهما ولا يقفز أحدهما على مستوى التخصص، تكامل لا تصادم. قدسية رجل الدين متوغلة في كل المجتمعات ولا يستطيع أحد إسقاطها، كما نطلب من رجل الدين عدم الاستعجال في إلقاء التهم إلا بعد البينة مع مراعاة الظروف الاجتماعية. من الخطأ أن نفتح باب النقد على مصراعيه على المؤسسة الدينية حتى لا يأتي غداً جيل يرمى رجال الدين بالحجر.