اتخذ الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله خمسة منابر للتواصل مع شعبه غير سياسة الباب المفتوح وقنوات التواصل الرسمية الأخرى، فكان رحمه الله لا يصمت عن شيء ويطلع الشعب السعودي على آخر التطورات ويفسر له أسباب القرارات الحاسمة التي اتخذتها الدولة، مما يعكس الشفافية والوضوح واللحمة الوطنية، واتصفت كلماته داخل الوطن بلغة سهلة وبالارتجال المتمكن، مما جعلها قريبة المعاني والدلالات حتى لرجل الشارع البسيط، فكانت محط اهتمام الأسرة السعودية الصغيرة، والبيت السعودي الكبير بكافة أطيافه السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، فضلاً عن خطبه للعالم العربي والإسلامي، وتذكر موسوعة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود التي أعدتها دارة الملك عبدالعزيز أن تلك الخطب والكلمات وصل عددها إلى ما يقارب 850 خطبة وكلمة وحواراً مباشراً وحواراً إعلامياً خلال المدة (1373ه 1426ه) بما فيها أحاديثه منذ أن كان وزيراً للمعارف، واحتلت هذه الكلمات ثلاثة مجلدات من مجلدات الموسوعة العشرة، أما تلك المنابر الخمسة الأهم التي صدرت منها خطبه للمجتمع السعودي فهي: وسائل الإعلام وخصوصاً التليفزيون السعودي، ومجلس الوزراء، ومجلس الشورى، والجامعات، وكلماته في حفل الافتتاحات للمشاريع التنموية والمؤسسات الجديدة، ويستطيع المتأمل لهذه الخطب أن يجد في الخطاب الواحد مزجه بين الحس الديني والوضوح السياسي والاستشعار الاجتماعي وخطاب الأبوة الودود، ويتنقل خطابه رحمه الله بين الحازم واللين بما تفرضه الحالة العامة؛ فكثيراً ما كان يربط بين الحالة الصغيرة أو مناسبة الخطاب والوضع العام ما حقق التواصل الحقيقي والشامل في كلماته وأحاديثه، برغبة إشراك الشعب على مستوى الخطب الداخلية في قضايا الوطن الكبرى، فضلاً عن ربطه بجسده العربي والإسلامي. اشتهرت خطبه وكلمات الملك فهد رحمه الله بكلمة (رب العزة والجلال) فكانت غالباً حاضرة في كلماته، وهي ذات مدلول ديني يعكس اعتماد الدولة على الله قبل كل شيء بتطبيق شريعة الإسلام في كل صغيرة وكبيرة، فضلاً عن الدلالة على أن العزة هدف من إسعاد المواطن والرقي بحياته في مدارجها، قال رحمه الله في كلمة عام 1409 في حفل وضع حجر الأساس لمشاريع مكة للإنشاء والتعمير: (أرجو لهذا الوطن أن يوصله ربنا إلى ما يصبو إليه من العزة والفخر والافتخار). وفي مصارحة مع شعبه يقول الملك فهد رحمه الله في جلسة لمجلس الوزراء بتاريخ 12 رجب 1411ه وبعد تحرير الكويت: (وقد يستكثر البعض حجم المبالغ التي أنفقناها لتحقيق ما أنجز على صعيد أحداث الخليج، من خلال حرب تحرير الكويت، ولكنني أود أن أؤكد أن النتائج التي توصلنا إليها، باستتباب الأمن، ودحر الظلم، وترسيخ الشرعية الدولية، توازي – ولله الحمد – أضعاف ما أنفقناه في هذا السبيل) بل إنه اجتمع بأصحاب الفضيلة العلماء والمواطنين يوم 19 شعبان 1411ه (1991م) ليهنئهم بتحرير الكويت، وتحدث إليهم بأدق التفاصيل عن سيناريو ما جرى منذ محاولاته الجادة والصادقة لثني الرئيس العراقي عن نياته الحاقدة حتى تحرير الشقيقة الكويت، وكان الحديث بمنزلة إطلاع الشعب السعودي عن حيثيات حرب (عاصفة الصحراء)؛ فقد كان يرحمه الله يعتمد الحقائق والتفاصيل في حديثه للشعب لدحض الشائعات المغرضة. موسوعة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حين جمعت هذه الخطب والكلمات والحوارات والتصريحات الإعلامية للملك فهد بن عبدالعزيز إنما تهدف إلى خدمة الباحثين والباحثات بتزويدهم بمدخلات لبحوثهم ودراساتهم القادمة في استنباط واستقراء ركائز الخطاب السياسي السعودي والإعلامي، وملامح السياسة الداخلية وعناصر السياسة الخارجية، وأسسها تجاه العالم العربي والإسلامي، وتجاه المجتمع الدولي بدوله ومؤسساته وهيئاته، في هذه الفترة من تاريخ المملكة العربية السعودية فضلاً عن توثيق كثير من الأحداث والمنجزات التي ربطت بها تلك المدخلات، فإذا كانت المجلدات التي تتضمن هذه الخطب تمثل الأقوال والجانب الشفهي من حياة الدولة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله فإن باقي المجلدات من الموسوعة تمثل التطبيق الواقعي لهذه الأقوال التي كانت بمنزلة الجمعي بين الملك فهد رحمه الله وشعبه الوفي.