أكد إمام وخطيب المسجد الحرام في مكةالمكرمة الشيخ صالح بن محمد آل طالب، أن من أعظم أبواب الفتن تتبع الخلافات الفقهية والاستدلال بشواذِّ الآراء وما لا يعتبر من الأقوال، حتى عُطِّلت الأحكام باسم الخلاف وانتُهكت الحرمات باسم الخلاف، وانكسرت عزائم المتعبِّدين فكسلوا عن الطاعات، وانشغلوا بفضول المباحات، واجترأوا على المكروهات وهي باب المحرمات، بل ولج بعض الناس في أبواب الحيرة والاضطراب بالاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص. وقال في خطبة الجمعة أمس إن التزام شريعة الله وتحري طاعة الله هي قضية عقدية ومسألة إيمانية قبل أن تكون أحكاماً عملية وفروعاً فقهية، وإن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك والتدين وسبيل الإصلاح. كما أن التفلُّت من الطاعات والهرب من التكاليف والواجبات هو سبب التخاذل والتردي الذي تعاني منه الأمة. ولفت إلى أن الشرع لا يهبط لمستوى تفريط الإنسان حتى يبرر له كسله وعصيانه، فالشرع لا يتبع هوى الناس، بل الشارع يطالبهم بأن يرتقوا إلى عز الطاعة ويعلوا إلى سمو التعبد، مشيراً إلى أن وظيفة كتاب الله هي الهداية ورفع الخلاف وبيان الحق، فنتعبد الله بتحكيم الوحي في الخلاف، لا أن نحتج بالخلاف على وحي الله، قال سبحانه «وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله»، فعَكَسَ المهازيل هذا المفهوم، وتحججوا بالخلاف لأجل الهوى، وهان عليهم الحرام إذ علموا أن هناك مَن خالف في تحريمه، فأين الرضا والاحتكام إلى الله. واستطرد قائلاً: «فاتباع الخلاف هو طريق لاتباع الهوى، ومخالف للرضا. قال ابن حزم رحمه الله: ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما أجمعت عليه الأمة فقط ويترك ما اختلفوا فيه مما قد جاءت به النصوص، لكان فاسقاً بإجماع الأمة. وقال ابن عبدالبر: الاختلاف ليس حجة عند أحد علمته من علماء الأمصار. والله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا». وشدد على أنه على الأمة أن تأخذ أوامر الله بجد وحزم، وأن تبتغي بها مراقي العز بعزم، وألا تنظر للأحكام على أنها تكاليف تحتال لها بالتخفيف، فإن أحكام الشرع مهما عظمت فهي ليست أثقالاً، بل هي أسباب قوة، كالنسر المخلوق لطبقات الجو العليا، ويحمل دائماً من أجل هذه الطبقات ثقل جناحيه العظيمين. والله تعالى يقول: «خذوا ما آتيناكم بقوة»، «يا يحيى خذ الكتاب بقوة». وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن أصل هذا الاعتراض هو اتباع الهوى والاستمداد من غير الوحي والتلقي من غير الله ورسوله، فمن الناس من حكَّم العقل والرأي، وتتبع فلسفة التائهين، ومنهم من حكَّم الذوق والوجد والكشف، وتلاعب الشيطان بعقله فانتكس إلى حضيض الخرافة والوهم، ومنهم من بحث عن المصالح الدنيوية وركن إلى الأعراف الأرضية وتبع الهوى متذرعاً بالأقيسة والآراء لإباحة ما حرم الله وتحريم ما أحل، وإسقاط ما أوجب وتصحيح ما أبطل. ورأى أن سبب ذلك كله هو اتباع الهوى وعدم الرضا بالله ورسوله ودينه، ولهذا مُلِئَ القرآن الكريم بالتحذير من الهوى، بل إن من مقاصد الشريعة إخراج المكلف من داعية الهوى إلى اتباع الشرع وبهذا يحصل الابتلاء ويفترق الطائع عن العاصي والعابد عن الفاسق. قال تعالى «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض»، وقال سبحانه «ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله». وفي المدينةالمنورة أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة، على فضل الزواج ودوره في عمارة الكون. وقال «إن ربكم أراد عمارة هذا الكون شرعاً وقدراً إلى أجل مسمى، وهذا العمران لا يكون إلا بالتعاون والتوافق والاجتماع وبناء الحياة على السنن العادلة الحكيمة النافعة، والإنسان مستخلف في هذه الأرض يصلحها ويعمرها ويعبد الله عليها، وسعادته في طاعة الله وشقاوته في معصية الله». وأوضح أن من أولى خطوات الإنسان ومراحله في هذه الحياة اقترانه بزوجة على سنة الله ورسوله يتم بينهما التعاون والتراحم والتآلف وتشابك المنافع والمصالح وتتحق بينهما متع الغرائز البناءة النبيلة والسعي إلى الأهداف والغايات الفاضلة وتتحقق المكاسب المباركة والذرية الطيبة، مشيراً إلى أن الزوجية محضن الأجيال ومدرسة المولود الأولى وموجهة الشباب إلى الصلاح والإصلاح والتعمير؛ لأن الأب والأم لهما الأثر الدائم على أولادهما، وهما لبنة المجتمع الصالح. وبيَّن أن الزواج من السنن الماضية التي لا حصر لمنافعه ولا نهاية لبركته ومن السنن الباقية الدائمة التي لا تنقطع خيراتها، فالزواج من سنة الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً»، وقال تعالى «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً».