أن يوصف فرد بأنه ذو وعي فذلك شائع بين الناس، والمعروف بأن الواعي هو المدرك لما حوله من ظروف متغيرة وثابتة، وعوامل مؤثرة ومتأثرة، ومواطن قوة وضعف داخلية وخارجية، وعليه؛ فالوعي هو منظومة متكاملة من الإدراك لجزيئات الأمور بمختلف جوانبها. ومما لاشك فيه أن مستوى الوعي متباين بين الناس كأفراد أو جماعات، فيمكننا إطلاق مصطلح «الوعي الاجتماعي» على متوسط الوعي في المجتمع بشكل عام. ومن هنا تبدأ دائرة التحليل تتسع لتبدأ من الوعي الفردي باختلافاته، والمجتمعي بدرجاته، و الوطني بعلاماته الفارقة. فكيف نصنع مجتمعاً واعياً وراشداً؟ الوعي بالمصلحة العامة التي تؤمّن لجميع الأفراد حاجاتهم الأساسية برضا وتصالح تام من أجل أنفسهم وأوطانهم، الأمر الذي يبني جسراً من التوافق والانسجام بين المكونات، حيث أن مصلحة المجتمعات تتحقق عادة في التحامها واجتماعها، ففي الوحدة قوة تضمن الأفراد وتحمي الوطن. وقد برز هذا الأمر بشكلٍ كبير مع ازدياد حالة التصالح بين أبناء المجتمع بشتى اختلافاتهم الانتمائية الفكرية والمذهبية والمناطقية في مواقف عدة، وتقبلهم للآخر، وهذا دليل بيّن على ارتفاع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع. إدارة الأزمات وحسن التصرف في الظروف الحرجة، إشارة أخرى لمجتمع واع، يسوده التفهم والتعقل في التعاطي مع المستجدات والحوادث المفاجئة، وأجد ذلك تمثَّل بشكل فريد في حادثة «الدالوة» بالأحساء التي وقعت في 1 محرم من هذا العام، حيث تضافرت كلمة الشعب بمختلف أطيافه مع دور الدولة، ونجحت في تجاوز تلك الأزمة العارضة. القرية البسيطة التي اشتهرت على مستوى العالم بعد مساء دموي أثبتت أنها على مستوى عالٍ من الإدراك بخفايا المكائد لتفاجئ الجمهور العالمي برمته. استثمار التنوع الإنساني في الدول المتقدمة التي تسعى جاهدة للاستفادة من الطاقات البشرية في مختلف الحقول، هو الآخر علامة فارقة تميز مجتمعاً دون غيره. نحن نرى كيف أن الدول المتقدمة والنامية تسعى للتعاون المشترك الدولي باستقطاب الكفاءات القادرة على البناء، غير مكترثة للاختلافات التي قد تصدم فرداً بآخر، بل مشددة على مواطن الاتحاد التي يصنعها التنوع بسد الثغرات وتكامل الأدوار لتحقيق المصلحة العامة. وقد كانت لبلادنا السعودية في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله مبادرة قيمة في هذا الشأن، هدفت إلى استثمار التنوع في المجتمع السعودي بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وكانت له محاولات طيبة. ويبقى الأمل بأن يحقق المركز كامل أهدافه الأساسية بشكلٍ مميزٍ وفاعل في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اليوم. يطول الحديث عن الوعي الاجتماعي ويتشعب، فعندما نتطرق للرشد السلوكي الذي يعاصره المجتمع اليوم، يجب ألا نغفل عن مواطن الضعف التي توهنه من جهات أخرى، ليتسنى لنا معالجتها باستحداث طرائق ملائمة للمتغيرات المتسارعة أو السير على منهج التجارب السابقة الناجحة.