«..انته يجي.. أنا يروح.. ما فيه معلوم..» إلى آخر قائمة هذه المصطلحات والعبارات «الكلجية» من «كلجة» وتعني من لا يحسن الحديث بالعربية أو يختلط عليه الكلام، وأظن أصلها (كاللجة) أي اختلاط الأصوات، ومنها اللجلجة أي الكلام بلسان غير بين، واللجلاج أي ثقيل الكلام وقد يكون أصلها غير ذلك. هذا الأسلوب «الكلجي» الذي نخاطب به غير العرب، فضلا عن تشويهه لغتَنا الخالدة، يسيء إلى من نخاطبهم بعدم إفهامهم اللسان المبين، ظانين أن لغتنا بهذه الركاكة. عذرنا أن العربية من أصعب اللغات تعلماً ونطقاً، نحواً وصرفاً، إملاءً وخطاً. هذا العذر جعل الأغلب الأعم من المتحدثين لا يأبه بالأخطاء اللغوية، فلا نكاد نسمع متحدثاً إلا ويلحن في اللغة بين لحن جلي ولحن خفي. ناهيك عن المعاملات الرسمية المكتوبة المليئة بالأخطاء. ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يرى أخطاءً لغوية وإملائية تستفز كل عاشق للغة مثل «إنشاءالله» والمقصود «إن شاء الله» ناهيك عن عدم التفريق بين التاء المربوطة والهاء، والألف المقصورة والياء، والضاد والظاء. مثل هذه الأخطاء غير مقبولة خاصة ممن يفترض أنهم يوجهون الرأي العام. لغتنا العربية أجمل اللغات وأعمقها معنى و مبنى، عبارة ولفظاً، ولكننا – مع الأسف- تعمدنا تنفير النشء منها بطريقة تعليمها. فالطلبة مطلوب منهم حفظ القاعدة مع المثال ولا يهم بعد ذلك التطبيق والنطق السليم. أكتب هذا كمتذوق للغة وأدعو المتخصصين للإدلاء بدلوهم. كما أن تخصص اللغة العربية في الجامعات -وياللحسرة- يعد من التخصصات الهامشية. هذا الاستخفاف باللغة العربية كتخصص وكطرق تدريس أوصلنا إلى هذا التشويه وأكثر. ومن وضعوا اللغة في هذا الموضع لم يدركوا أن أهمية اللغة تكمن في فهم الدين والأنظمة والحقوق والعقود ودون فهم اللغة لا يتأتى ذلك. وغني عن القول، إن كثيرا مما نعاني منه اليوم سببه الفهم الخاطئ للنصوص والاستخفاف بالمعنى الدقيق للكلمة، وما شبهات التكفيريين وغيرهم إلا دليل على ذلك كما أن مشكلة قرار مجلس الأمن رقم (242) تكمن في (ال) التعريف. إن نظرة لتراثنا تبين مدى عمق فقهائنا الأوائل في اللغة وامتلاكهم أدواتها أما المفسرون فأولئك أساطين اللغة، ونظرة إلى فقهائنا المعاصرين نجد الأبرز منهم من امتلك ناصية البيان. وما أعلمه أن تخصص القانون في أمريكا يعتبر تخصص دراسات عليا وأغلب الطلبة يتخصصون في اللغة أو التخصصات المتفرعة منها كالأدب والصحافة في مرحلة البكالوريوس. أولئك الطلبة هم القانونيون والمشرعون وفقهاء الدستور، منهم من تولى رئاسة الولاياتالمتحدة. جلهم خطباء مفوهون، من بلاغتهم أصبحت بعض عباراتهم حكماً وأمثالاً. فليت اللغة العربية تصبح الدراسة أو التخصص الأساس لدارسي الشريعة والأنظمة والقانون في مرحلة الدراسة الجامعية، وتتحول هذه التخصصات إلى دراسات عليا فقط . هذا اقتراح أسوقه للقائمين على مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء ولمجلس التعليم العالي. وليت تربويينا يركزون على النطق السليم في تعليم النشء، مما يشجع على تذوق اللغة بدلاً من النفور منها. وهذا ما أرجوه من المسؤولين عن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم وعلى رأسهم الوزير الأمير خالد الفيصل عاشق اللغة ومتذوقها. كما أرجو من وسائل الإعلام التركيز على اللغة السليمة، لتستقيم الألسن المعوجة، فلغتنا تستحق الاهتمام.